للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ولما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - حريصًا على إيمان جميع الناس، أخبره الله سبحانه وتعالى، بأن ذلك لا يكون؛ لأن مشيئته الجارية على الحكمة البالغة والمصالح الراجحة لا تقتضي ذلك، فقال: {أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ} والهمزة (١) فيه للاستفهام التأديبي للنبي، - صلى الله عليه وسلم -، داخلة على محذوف، والفاء عاطفة على ذلك المحذوف، والتقدير: أتحزن يا محمَّد، على عدم إيمانهم وتتأسف عليه، فأنت تكره الناس؛ أي: تريد أن تجبرهم على الإيمان {حَتَّى يَكُونُوا} كلهم {مُؤْمِنِيَنَ} طائعين لله سبحانه وتعالى، فإن ذلك يا محمَّد ليس في وسعك ولا داخل تحت قدرتك. والمعنى: ليس عليك إلا البلاغ، لا خلق الإيمان في قلوبهم وإكراههم عليه، فإن الأمر كله لله لا خالق سواه؛ أي: إن هذا ليس بمستطاع لك، ولا من وظائف الرسالة التي بعثت بها أنت، وسائر الرسل الكرام. كما قال تعالى: {إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ} وقال: {وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ} وقال: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}. وفي هذا (٢) تسلية للنبي، - صلى الله عليه وسلم -، ودفع لما يضيق به صدره، من طلب صلاح الكل، الذي لو كان، لم يكن صلاحًا محققًا، بل يكون إلى الفساد أقرب، ولله الحكمة البالغة.

١٠٠ - ثم بين وعلل سبحانه ما تقدم فقال: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ}؛ أي: ما ثبت وما استقام وما صح لنفس من الأنفس أن تؤمن في حال من الأحوال، إلا في حال إرادة الله تعالى الإيمان لها، وتيسيره وتوفيقه ومشيئته لذلك، فلا يقع غير ما يشاؤه كائنًا ما كان؛ أي: وما كان لنفس بمقتضى ما أعطاها الله، من الاختيار والاستقلال في الأفعال، أن تؤمن إلا بإرادة الله سبحانه وتعالى، ومقتضى سننه في الترجيح بين المتقابلين، فالنفس مختارة في دائرة الأسباب والمسببات، ولكنها غير مستقلة في اختيارها استقلالًا تامًّا بل مقيدة بنظام السنن والأقدار الإلهية. وقوله: {وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ} معطوف (٣) على محذوف، تقديره: فيريد الله الإيمان للبعض، ويجعل الرجس؛ أي: العذاب أو الكفر أو الخذلان الذي هو سبب العذاب {عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ}؛ أي: على


(١) الصاوي.
(٢) الشوكاني.
(٣) الصاوي.