للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الله؛ لأنه ليس لكم إله غيره تتوجهون إليه في عبادتكم بدعاء تطلبون به ما تقدرون عليه، فربكم هو الخالق لكل شيء، وبيده ملكوت كل شيء، وهو الإله الحق الذي يجب أن تتوجه إليه القلوب بالدعاء وغيره.

ثم ذكر السبب في الأمر بعبادته وحده، وترك أدنى شوائب الشرك مثبتا للبعث والجزاء، فقال: {إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}؛ أي: إني أخاف عليكم عذاب يوم شديد هوله، وهو يوم البعث والجزاء إذا لم تمتثلوا ما أمرتكم به من عبادة الله وحده، وترك ما سواه، قال أبو السعود: هذه الجملة تعليل للعبادة ببيان الصارف عن تركها إثر تعليلها ببيان الداعي إليها، انتهى. قال أبو حيان: وفي هذه الجملة إظهار الشفقة والحنو عليهم. وقرأ (١) ابن وثاب والأعمش وأبو جعفر والكسائي: {غيره} - بالجر - على أنه بدل من لفظ إله، أو نعت له. وقرأ باقي السبعة بالرفع على أنه صفة لإله، أو بدل منه باعتبار محله الذي هو الرفع على الابتداء؛ لأن {مِنْ} زائدة، و {لَكُمْ} خبره. وقرأ عيسى بن عمر: {غيره} بالنصب على الاستثناء، والجر والرفع أفصح.

٦٠ - {قالَ الْمَلَأُ}؛ أي: الأشراف والرؤساء والكبراء {مِنْ قَوْمِهِ} الذين جعلوا أنفسهم أضداد الأنبياء {إِنَّا لَنَراكَ} يا نوح {فِي ضَلالٍ} وخطأ عن الحق {مُبِينٍ}؛ أي: بين واضح ظاهر بتركك ملة آبائك حيث نهيتنا عن عبادة آلهتنا ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر، وهم شفعاؤنا عند الله، ووسيلتنا إليه فببركتهم يتقبل منا صالح أعمالنا، ويعطينا سؤلنا لما كانوا من الصلاح والتقوى، ونحن لا نستطيع أن نوجه دعواتنا دون وساطتهم؛ لما نجترحه من السيئات التي تبعدنا عن حظيرة ذلك القدس الأعظم.

وخلاصة مقالتهم: أنت في غمرة من الضلال أحاطت بك، فجعلتك لا تجد إلى الصواب سبيلا، ولم يقل (٢) هنا: الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ كما قال في قوم هود فيما سيأتي؛ لأن الملأ من قوم هود كان فيهم من آمن ومن كفر، بخلاف


(١) البحر المحيط.
(٢) الفتوحات.