للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والمعنى: يا أبي إني أخاف لمحبتي لك، وغيرتي عليك، أن يصيبك عذاب من الرحمن على شركك وعصيانك {فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا}؛ أي: قرينًا وتابعًا له في النار.

وقصارى ذلك: إني أخاف أن تكون تابعًا للشيطان في الدنيا، فيمسك عذابٌ من الرحمن في العقبى.

٤٦ - ولما دعا إبراهيم أباه إلى التوحيد، وذكر الدلائل على فساد عبادة الأوثان، وأردف ذلك بالوعظ واللطف .. قابله أبوه بجواب هو على الضد من ذلك، حيث قابله بالغلظة والفظاظة والقسوة {قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ} استئنافٌ بيانيٌ كأنه قيل: فماذا قال أبوه عندما سمع منه هذه النصائح الواجبة القبول؟ فقيل: قال أبوه آزر مصرًا على عناده، {أَرَاغِبٌ أَنْتَ} أي: أمعرض أنت عن عبادة آلهتي، وأصنامي، ومنصرف إلى غيرها يا إبراهيم؛ أي (١): أتاركها أنت، وتارك عبادتها، والاستفهام فيه للتقريع والتوبيخ والتعجيب، وَجْهُ الإنكار (٢) إلى نفسه الرغبةُ مع ضرب من التعجب، كأن الرغبة عنها مما لا يصدر عن العاقل، فضلًا عن ترغيب الغير عنها، قدم الخبر على المبتدأ للاهتمام به، والأولى كونه مبتدأ، وأنت فاعله سد مسد الخبر، لئلا يلزم الفصل بين الصفة وما يتعلق بها، وهو (عن).

والخلاصة: أتكره آلهتي ولا ترغب في عبادتها يا إبراهيم، ثم توعده فقال: والله {لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ} وتنزجر يا إبراهيم، وترجع عما أنت فيه من النهي عن عبادتها والدعوة إلى ما دعوتني إليه .. {لَأَرْجُمَنَّكَ} بالحجارة، وأرمينك بها حتى تموت، أو تبعد عني، وقيل (٣) باللسان فيكون معناه لأشتمنك، وقيل: معناه لأضربنك، وقيل: لأظهرن أمرك، وقوله: {وَاهْجُرْنِي}: معطوف على ما دل عليه، لأرجمنك؛ أي: فاحذرني واتركني {مَلِيًّا}؛ أي: زمانًا طويلًا سالمًا مني، ولا تكلمني؛ أي: فاحذرني وأبعد عني بالمفارقة من الدار والبلد دهرًا طويلًا، من الملاوة وهو الدهر، ومنه قول مهلهل:


(١) الخازن.
(٢) الشوكاني.
(٣) روح البيان.
(٤) الشوكاني.