للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

عليه، وقيل كانا يبنيان في طرفين، أو على التناوب يقولان: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا} وقد أظهر عبد الله (يقولان) في قراءته؛ أي: يرفعانها حالة كونهما قائلين {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا} الدعاء، وغيره من القرب، والطاعات التي من جملتها ما هما بصدده من البناء؛ أي: حالة كونهما قائلين: ربّنا واقبل منّا ما عملنا لك! وطاعتنا إياك، وعبادتنا لك، وبناءَنا بيتك، وفُرِّق (١) بين القبول والتقبُّل: بأنَّ التَّقبُّل لكونه على بناء التكلُّف، إنّما يطلق حيث يكون العمل ناقصًا لا يستحق أن يقبل إلا على طريق التفضُّل، والكرم، ولفظ القبول لا دلالة فيه على هذا المعنى، فاختيار لفظ التقبُّل اعتراف منهما بالعجز، والانكسار، والقصور في العمل {إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ} لجميع المسموعات التي من جملتها دعاؤُنا، وتضرُّعنا إليك {الْعَلِيمُ} بكل المعلومات التي من زُمْرَتها نياتنا في جميع أعمالنا، ودلَّ هذا القول، على أنّه لم يقع منهما تَقْصِير بوجه في إتيان المأمور به، بل بذلا في ذلك غاية ما في وسعهما، فإنَّ المقصِّر المتساهل كيف يتجاسر على أن يقول بأطلق لسانٍ، وأرقِّ جنانٍ {إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}؟!

ودلت الآية أيضًا (٢) على أنَّ الواجب على كُلِّ مأمور بعبادةٍ وقربةٍ إذا فرغ منها، وأدَّاها كما أمر بها، وبذل في ذلك ما في وسعه أن يتضرَّع إلى الله سبحانه، ويبتهل ليتقبَّل منه، ولا يردَّ عليه، فيضيع سعيه، وأن لا يقطع القول بأنَّ من أدَّى عبادةً وطاعةً تقبل منه لا محالةٍ، إذ لو كان هكذا لما كان لدعائهما بطريق التضرع ليقبل منهما معنًى، فالقبول والردُّ إليه تعالى، ولا يجب عليه شيءٌ

١٢٨ - {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ}؛ أي: منقادين لحكمك مخلصين {لَكَ} بالتوحيد والعبادة، لا نعبد إلّا إياك فالمراد بالمسلم: من يجعل نفسه وذاته خالصًا لله تعالى، بأن يجعل التذلُّلَ، والتعظيم الواقع منه لِلِّسانِ، والأركانِ، والجَنَان خالصًا له تعالى، ولا يُعظِّم معه تعالى غيره، ويعتقد بأنَّ ذاتَه، وصفاتِه، وأفعالَه خالصةٌ له تعالى، خلقًا، وملكًا، لا مدخل في شيءٍ منها لأحدٍ سواه، أو المعنى: واجعلنا


(١) روح البيان.
(٢) روح البيان.