للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

٤٩ - ثم ذكر سبحانه سعة ملكه ونفاذ تصرفه، فقال: {لِلَّهِ} سبحانه وتعالى لا لغيره {مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}؛ أي: له التصرف فيهما بما يريد، لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع؛ أي: يختص به سبحانه ملك العالم كله، لا يقدر أن يملكه أحد سواه، فله التصرف فيه، وقسمة النعمة والبلية على أهله، وليس عليهم إلا الشكر في النعمة، والصبر في البلية، والرضى والتسليم للأحكام الأزلية.

والمعنى: أي إنه تعالى خالق السموات والأرض، ومالكهما، والمتصرف فيهما، فما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، وهو يعطي من يشاء، ويمنع من يشاء، لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع {يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ} مما يعلمونه، ومما لا يعلمونه على أي صورة شاء {يَهَبُ} سبحانه وتعالى {لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا} لا ذكور معهن مثل ما وهب لشعيب ولوط عليهما السلام، والهبة: أن تجعل ملكك لغيرك بغير عوض، والوهاب هو الله سبحانه وتعالى؛ لأنه يعطي كلًّا على قدر استحقاقه ولا يريد عوضًا، والجملة بدل من يخلق بدل البعض، وإنما قدم الإناث على الذكور مع شرفهم؛ لأنها أكثر لتكثير النسل، أو لتطييب قلوب آبائهن، إذ في التقديم تشريف لهن، وإيناس بهن، ولذلك جعلن من مواهب الله تعالى مع ذكر اللام الانتفاعية أو لرعاية الترتيب الواقع أولًا في الهبة بنوع الإنسان، فإنه تعالى وهب لآدم أولًا زوجته حواء عليهما السلام، بأن ولَّدها منه، وخلقها من قصيراه، وهي أسفل الأضلاع، أو آخر ضلع في الجنب، كما في "القاموس".

قال في "الكواشي": ويجوز أنهن قدمن توبيخًا لمن كان يئدهن، ونكرن إيماء إلى ضعفهن ليرحمن، فيحسن إليهن. وقال في "الشرعة وشرحه": وليزداد فرحًا بالبنات، مخالفة لأهل الجاهلية، فإنهم يكرهونها، بحيث يدفنونها في التراب في حال حياتها، وفي الحديث: "من بركة المرأة تبكيرها بالبنات"؛ أي: يكون أول ولدها بنتًا، ألم تسمع قوله تعالى: {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا} الآية، حيث بدأ بالإناث {وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ} لا إناث معهم، كما وهب إبراهيم عليه السلام، من غير أن يكون في ذلك مدخل لأحد، ومجال اعتراض.