للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يمنع عن سماعه، ولَمَّا (١) كان القرآن معجزًا من حيث اللفظ والمعنى أثبت لمنكريه ما يمنع عن فهم المعنى حقّ فهمه، وإدراك اللفظ حقَّ إدراكه.

ومن قبائح المشركين: أنهم كانوا يحبّون أن يذكر محمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم - آلهتهم كما يذكر الله سبحانه، فإذا سمعوا ذكر الله دون ذكر آلهتهم نفروا عن المجلس، ولهذا قال الله سبحانه: {وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ} يا محمد {فِي الْقُرْآنِ} وأنت تتلوه حالة كونه {وَحْدَهُ} أي واحدا غير مشفوع به آلهتهم؛ أي: منفردا غير مقرون به آلهتهم؛ أي: إذا قلت: لا إله إلا الله، ولم تقل: واللات والعزّى، فهو (٢) مصدر وقع موقع الحال، أصله تحده وحده فحذف الفعل الذي هو الحال، وأقيم المصدر مقامه {وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ}؛ أي: رجعوا على أعقابهم، وانفضّوا من حولك، وهربوا ونفروا {نُفُورًا} وهو مصدر كالقعود، أو جمع نافر؛ أي: أعرضوا ورجعوا على أعقابهم حالة كونهم نافرين استكبارًا واستعظامًا لأن يذكر الله وحده.

والحاصل: أنّ الكفّار (٣) عند استماع القرآن كانوا على حالتين، فإذا سمعوا من القرآن ما ليس فيه ذكر الله، بقوا متحيرين لا يفهمون منه شيئًا، وإذا سمعوا آيةً فيها ذكر الله تعالى وذمّ الشرك بالله تركوا ذلك المجلس، ولا يستطيعون سماع القرآن،

٤٧ - {نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ}؛ أي: بالسبب والغرض الذي يستمعونك {بِهِ}؛ أي: لأجله من الاستخفاف والهزء بك وبالقرآن، فالباء بمعنى اللام؛ أو للملابسة متعلّقةٌ بمحذوف حال من الواو، وفي يستمعون؛ أي: يستمعونك حالة كونهم ملابسين بذلك السبب، وهو الهزء المذكور {إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ} ظرف لأعلم، وفائدته: تأكيد الوعيد بالإخبار بأنه كما يقع الاستماع المذكور منهم يتعلق به العلم، وكذا قوله: {وَإِذْ هُمْ نَجْوى}؛ أي: ذوو نجوى؛ أي: أصحاب مناجاةٍ، ومحادثة بينهم ظرف لأعلم لكن (٤) لا من حيث تعلّقه بما به الاستماع، بل بما به التناجي المدلول عليه بسياق النظم، ونجوى مصدر أو جمع نجيّ؛ أي: نحن أعلم بغرضهم من الاستماع حين هم مستمعون إليك،


(١) روح البيان.
(٢) روح البيان.
(٣) المراح.
(٤) روح البيان.