للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

٢٤ - و (اللام): في قوله: {لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ} يجوز أن يتعلق بـ {صَدَقُوا} أو بـ {زَادَهُمْ} أو بـ {ما بدَّلوا} أو بمحذوف، تقديره: وقع جميع ما وقع؛ ليجزي الله الصادقين بما صدر عنهم من الصدق والوفاء قولًا وفعلًا، قال في "كشف الأسرار": في الدنيا بالتمكين والنصرة على العدو وإعلاء الراية، وفي الآخرة بجميل الثواب، وجزيل المآب، والخلود في النعيم المقيم، والتقديم على الأمثال بالتكريم والتعظيم.

{وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ} بما صدر منهم من الأقوال والأعمال المحكية في التغيير والتبديل {إِنْ شَاءَ} تعذيبهم؛ أي: إن لم يتوبوا فإن الشرك لا يغفر البتة.

جعل (١) المنافقين كأنهم قصدوا عاقبة السوء، وأرادوها، بسبب تبديلهم وتغييرهم، كما قصد الصادقون عاقبة الصدق بوفائهم، فكل من الفريقين مسوق إلى عاقبته من الثواب والعقاب، فكأنهما استويا في طلبها، والسعي لتحصيلها، ومفعول {إِنْ شَاءَ} وجوابها: محذوفان؛ أي: إن شاء تعذيبهم عذبهم، وذلك إذا أقاموا على النفاق، ولم يتركوه ويتوبوا عنه، كما مرّ.

{أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ}؛ أي: يقبل توبتهم إن تابوا {إِنَّ اللَّهَ} سبحانه وتعالى {كَانَ غَفُورًا}؛ أي: ستورًا على من تاب محاءً لما صدر منه {رَحِيمًا}؛ أي: منعمًا عليه بالجنة والثواب.

والمعنى (٢): أي إنه سبحانه إنما يختبر عباده بالخوف والزلزال؛ ليتميز الخبيث من الطيب، ويظهر أمر كل منهما جليًا واضحًا، كما قال: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ (٣١)} وقال: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ}. ثم يثيب أهل الصدق منهم بصدقهم بما عاهدوا الله عليه ووفائهم له به، ويعذب المنافقين الناقضين لعهده، المخالفين لأوامره، إذا استمروا على نفاقهم حتى يلقوه، فإن تابوا ونزعوا عن نفاقهم، وعملوا صالح الأعمال .. غفر لهم ما


(١) روح البيان.
(٢) المراغي.