والنشور للدار الآخرة، صرح بذلك مع اندراجه في تكذيب الآيات، للاعتناء بأمره {فَأُولَئِكَ} الموصوفون بالكفر والتكذيب {فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ}؛ أي: مدخلون في العذاب على الدوام، لا يغيبون عنه أبدًا، قال بعضهم: الإحضار: إنما يكون على إكراه، فيجاء به على كراهة؛ أي: يحضرون العذاب في الوقت الذي يحبر فيه المؤمنون في روضات الجنان، فيكون على عذاب وويل وثبور، كما يكون المؤمنون على ثواب وسماع وحبور، أما من يؤمن ويعمل السيئات .. فليس دائم الحضور في العذاب، وليس من المحبورين غاية الحبور في رياض الجنة، فعلى العاقل أن يجتنب عن القيل والقال، ويكسب الوجد والحال، من طريق صالحات الأعمال، فإن لكل عمل صالح أثرًا، ولكل ورع وتقوى ثمرة، فمن حبس نفسه في زاوية العبادة والطاعة، وتخلى في خلوة الذكر والفكر .. تفرج في رياض الجنان بما قاسى الأعضاء والجنان، ومن أغلق باب سمعه عن سماع الملاهي، وصبر عنه .. فتح له باب سماع في الجنة، وإلا فقد حرم من أمثل اللذات، كما أن من شرب الخمر في الدنيا .. لم يشربها في الآخرة.
وأشار بالإحضار: إلى أن جهنم سجن الله تعالى، فكما أن المجرم في الدنيا يساق إلى السجن، وهو كاره له، فكذا المجرم في العقبى يساق ويجر إلى النار بالسلاسل والأغلال، فيذوق وبال كفره وتكذيبه، وحضوره محاضر أهل الهوى من أهل الملاهي، وربما يحضر في العذاب من ليس بمكذب، إلحاقًا له في بعض الأوصاف، وإن كان غير مخلد فيه، وربما تؤدي الجراءة على المعاصي، والإصرار عليها إلى الكفر والعياذ بالله تعالى.
١٧ - و {الفاء}: في قوله: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ} فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، والتسبيح محمول على حقيقته وظاهره الذي هو تنزيه الله تعالى عن السوء، والثناء عليه بالخير.
والمعنى: إذا علمتم أيها العقلاء المميزون، أن الثواب والنعيم للمؤمنين العاملين، والعذاب والجحيم للكافرين المكذبين، فسبحوا الله؛ أي: نزهوه عن كل ما لا يليق بشأنه تعالى، وقولوا: سبحان الله {حِينَ تُمْسُونَ} وتدخلون في