للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

كانت من الجهات الست، كما قال عليه السلام: "ورأيت رجلًا من أمتي، من بين يديه ظلمة، ومن خلفه ظلمة، وعن يمينه ظلمة، وعن يساره ظلمة، ومن فوقه ظلمة، ومن تحته ظلمة، فهو متحير في الظلمات".

{أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ}؛ أي (١): بأنه، فأن مخففة من أنّ المشددة، أو مفسرة بمعنى أي {سُبْحَانَكَ}؛ أي: أنزهك تنزيهًا لائقا بك، من أن يعجزك شيء {إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} لأنفسهم بفراري من قومي بغير إذنك، فكان ذلك ظلمًا، فعوقب (٢) على ترك الأفضل، الذي هو المكث فيهم صابراً على أذاهم، فإنه خرج لا على تعمّد المعصية، بل لظنه أن خروجه موسّع، يجوز أن يقدّم ويؤخّر، فقد وصف يونس عليه السلام ربه، بكمال الربوبية، وهذا القدر يكفي في السؤال،

٨٨ - ولذا قال تعالى: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ} دعاءه الذي دعا به، وأظهر به التوبة على ألطف وجه وأحسنه، وأول هذا الدعاء تهليل، وأوسطه تسبيح، وآخره إقرار بالذنب، اهـ شيخنا.

وعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما من مكروب يدعو بدعوة ذي النون في بطن الحوت إلا استجيب له". وروى ابن جرير والبيهقي في جماعة عن سعد بن أبي وقاص، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "دعوة ذي النون في بطن الحوت: لا إله إلّا أنت سبحانك، إني كنت من الظالمين لم يدع بها مسلم ربه في شيء قط، إلّا استجاب له".

وروي عن أنس مرفوعًا "أنه عليه السلام حين دعا بذلك، أقبلت دعوته تحف بالعرش، فقالت الملائكة: هذا صوت ضعيف، معروف من بلاد غريبة - وفي رواية: صوتًا معروفًا من مكان مجهول - فقال الله تعالى: أما تعرفون ذلك؟ قالوا: يا رب من هو؟ قال: ذاك عبدي يونس، قالوا: عبدك يونس الذي لم يزل يرفع له عمل مقبول، ودعوة مستجابة، يا رب أفلا ترحم من كان يصنع في الرخاء: فتنجيه من البلاء، قال: بلى، فأمر الحوت، فطرحه"، فذلك قوله:


(١) روح البيان.
(٢) المراح.