للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ومعنى الآيتين (١): أي وإذا قيل لهؤلاء المكذبين بما نزل الله من الآيات: احذروا ما مضى بين أيديكم من نقم الله، ومثلاته التي حلت بمن قبلكم من الأمم، وخافوا أن يحل بكم مثلها من جراء شرككم وتكذيبكم لرسوله، وما خلفكم؛ أي: وما بعد هلاككم مما أنتم قادمون عليه إن متم على كفركم الذي أنتم عليه، لعل ربكم يرحمكم ويغفر لكم ما اجترحتم من السيئات .. أعرضوا ونكصوا على أعقابهم مستكبرين. ثم بين أن الإعراض ديدنهم، وليس ببدع منهم، فقال: {وَما تَأْتِيهِمْ ..} إلخ؛ أي: وما تجيء هؤلاء المشركين حجة من حجج الله، الدالة على توحيده وتصديق رسوله، إلا بادروا بتكذيبها، وأعرضوا عنها، وتركوا النظر الصحيح المؤدي إلى الإيمان به ومعرفة صدق رسوله.

الخلاصة: أنه ما ظهرت لهم آية من الآيات الناطقة، ببدائع صنع الله، وسوابغ آلائه الموجبة للإقبال عليها والإيمان بها إلا أعرضوا عنها مكذبين مستهزئين، ولم يكلفوا أنفسهم مشقة البحث في صدقها، والاستدلال بها على وحدانيته وصدق رسوله.

٤٧ - وبعد أن ذكر إعراضهم عن الخالق .. بيّن قسوتهم على المخلوقين، فقال: {وَإِذا قِيلَ لَهُمْ}؛ أي: للكافرين بطريق النصيحة {أَنْفِقُوا} على المحتاجين {مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ} تعالى؛ أي: بعض ما أعطاكم بطريق التفضل والإنعام من أنواع الأموال. فإن ذلك مما يرد البلاء، ويدفع المكاره؛ أي (٢): تصدقوا على الفقراء مما أعطاكم الله، وأنعم به عليكم من الأموال. قال الحسن: يعني: اليهود أمروا بإطعام الفقراء. وقال مقاتل: إن المؤمنين قالوا لكفار قريش: أنفقوا على المساكين مما زعمتم أنه لله من أموالكم من الحرث والأنعام كما في قوله سبحانه: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيبًا}، فكان جوابهم ما حكاه الله عنهم بقوله: {قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا} بالصانع تعالى. قيل: هم زنادقة، كانوا بمكة. والزنديق: من لا يعتقد إلهًا، ولا بعثًا، ولا حرمة شيء من الأشياء


(١) المراغي.
(٢) الشوكاني.