{لِلَّذِينَ آمَنُوا} استهزاء بهم، وتهكمًا بهم، وبما كانوا عليه من تعليق الأمور بمشيئة الله تعالى، حيث كانوا يقولون: لو شاء الله لأغنى فلانًا، ولو شاء الله لأعزه، ولو شاء الله لكان كذا وكذا. وإنما حمل على التهكم، لأن المعطلة ينكرون الصانع، فلا يكون جوابهم المذكور عن اعتقاد وجد. {أَنُطْعِمُ} من أموالنا حسبما تعظوننا؛ أي: لا نطعم، فإن الهمزة للإنكار. {مَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ} سبحانه إطعامه {أَطْعَمَهُ}؛ أي: رزقه على زعمكم. وقد كانوا سمعوا المسلمين يقولون: إن الرازق هو الله، وأنه يغني من يشاء ويفقر من يشاء، فكأنهم حاولوا بهذا القول الإلزام للمسلمين، وقالوا: نحن نوافق مشيئة الله، فلا نطعم من لم يطعمه الله. وهذا غلط منهم، ومكابرة، ومجادلة بالباطل. فإن الله سبحانه أغنى بعض خلقه، وأفقر بعضا، وأمر الغني أن يطعم الفقير، وابتلاه به فيما فرض له من ماله من الصدقة. وقوله:{مَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ} هو وإن كان كلاما صحيحا في نفسه، ولكنهم لما قصدوا به الإنكار لقدرة الله أو إنكار جواز الأمر بالإنفاق مع قدرة الله، كان احتجاجهم من هذه الحيثية باطلًا.
وقوله:{إِنْ أَنْتُمْ} أيها المؤمنون؛ أي: ما أنتم {إِلَّا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} وخطأ بيّن واضح، ظاهر من تمام كلام الكفار. والمعنى: أنكم أيها المؤمنون في سؤال المال، وأمرنا بإطعام الفقراء، أو في اتباعكم محمدًا وترك ما نحن عليه، لفي ضلال وخطأ في غاية الوضوح والظهور. وقيل: هو مستأنف من كلام الله تعالى، جوابًا وردا لهذه المقالة، التي قالها الكفار. قال القشيري، والماوردي: إن الآية نزلت في قوم من الزنادقة، وقد كان في كفار قريش وغيرهم، من سائر العرب قوم يتزندقون، فلا يؤمنون بالصانع، فقالوا هذه المقالة استهزاء بالمسلمين، ومناقضة لهم. وحكى نحو هذا القرطبي عن ابن عباس رضي الله عنهما.
والمعنى (١): أي وإذا أمروا بالإنفاق مما رزقهم الله على الفقراء والمحاويج