للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

عذابك مثلَيْ عذاب المشرك في الدنيا، ومثلي عذابه في الآخرة، وقد ذكروا في حكمة هذا أنّ الخطير إذا ارتكب جرمًا وخطأ خطيئةً يكون سببًا في ارتكاب غيره مثله والاحتجاج به، فكأنه سنّ ذلك، وقد جاء في الحديث: «من سن سنةً سيئة فعليه وزرها، ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة» أخرجه مسلم وغيره. {ثُمَّ} بعد إذاقتنا إيّاك ضعف العذاب {لا تَجِدُ لَكَ}؛ أي: لنفسك {عَلَيْنا نَصِيرًا} يدفع عنك العذاب أو يرفعه عنك روي عن قتادة أنه قال: لما نزل قوله: {وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ} إلخ قال - صلى الله عليه وسلم -: «اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين» فينبغي للمؤمن أن يتدبرها حين تلاوتها، ويستشعر الخشية، ويستمسك بأهداب دينه، ويقول كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين» قال النيسابوري (١): اعلم أنّ القرب من الفتنة لا يدلّ على الوقوع فيها، والتهديد على المعصية لا يدل على الإقدام عليها، فلا يلزم من الآية طعن في العصمة

٧٦ - {وَإِنْ كادُوا}؛ أي: وإنّ الشّأن والحال قارب أهل مكة، {لَيَسْتَفِزُّونَكَ} ليزعجونك بعداوتهم ومكرهم، وينزعونك بسرعة {مِنَ الْأَرْضِ} التي أنت فيها، وهي أرض مكة، {لِيُخْرِجُوكَ مِنْها} بما فعلوه من حصرك والتضييق عليك، وقد وقع ذلك بعد نزول الآية، وصار ذلك سببا لخروجه - صلى الله عليه وسلم - حتى هاجر بأمر ربه، بعد أن هموا به.

فإن قلت (٢): أليس أخرجوه بشهادة قوله تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ}؟

قلت: لم يتحقق الإخراج بعد نزول هذه الآية، ثم وقع بعده حيث هاجر عليه السلام بإذن الله تعالى، وكانوا قد ضايقوه قبل الهجرة ليخرج، وقوله: {وَإِذًا}؛ أي: ولئن أخرجوك، والله {لا يَلْبَثُونَ}؛ أي: لا يمكثون في الدنيا، أو تلك الأرض {خِلافَكَ}؛ أي: بعد إخراجك {إِلَّا قَلِيلًا}؛ أي: إلّا زمانًا قليلًا، وقد كان الأمر كذلك؛ فإنهم أهلكوا ببدر بعد هجرته عليه السلام، لثمانية


(١) روح البيان.
(٢) الشوكاني.