للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

٤٤ - {فَعَتَوْا} أي: استكبروا {عَنْ} امتثال {أَمْرِ رَبِّهِمْ} وهو ما أمروا به على لسان صالح عليه السلام من قوله: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} وقوله: {فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ}. والفاء ليست للعطف على {قِيلَ لَهُمْ}. فإنّ العتوّ لم يكن بعد التمتع، بل قبله. وإنما هو تفسير وتفصيل لما أجمله في قوله: {وَفِي ثَمُودَ ...} إلخ. فإنّه يدلّ إجمالًا على أنه تعالى جعل فيهم آيةً، ثم بين وجه الآية وفصّلها.

قال في "شرح الرضيّ": إنّ الفاء العاطفة للجمل قد تفيد كون المذكور بعدها كلامًا مرتّبًا على ما قبلها في الذكر, لأنّ مضمونها عقيب مضمون ما قبلها في الزمان، انتهى.

{فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ}؛ أي: أهلكتهم النار النازلة من السماء {وَهُمْ يَنْظُرُونَ}؛ أي: والحال أنهم ينظرون إليها، ويعاينونها. لأنّهم جاءتهم معاينة بالنهار، فينظرون من النظر بالعين. وفيه ترجيح لكون المراد بالصاعقة: حقيقة النار. لأنّها حين ظهرت رأوها بأعينهم، والصيحة لا ينظر إليها، وإنما تسمع بالأذن. والظاهر: أنّ الصاعقة لا تنافي أن يكون معها صيحة جبرئيل. وقيل: هو الانتظار؛ أي: ينتظرون ما وعدوا به من العذاب، حيث شاهدوا علامات نزوله من تغيّر ألوانهم في تلك الأيّام. ويقال: سمعوا الصيحة وهم ينظرون: أي: يتحيّرون.

وقرأ الجمهور (١): {الصَّاعِقَةُ}. وقرأ عمر، وعثمان رضي الله عنهما، وحميد، وابن محيصن، ومجاهد، والكسائي، وزيد بن علي {الصعقة}. قيل (٢): لمَّا رأوا العلامات التي بيَّنها صالح من اصفرار وجوههم، واحمرارها، واسودادها عمدوا إلى قتله عليه السلام فنجاه الله إلى أرض فلسطين. ولما كان ضحوة اليوم الرابع تحنطوا، وتكفنوا بالأنطاع، فأتتهم صيحة جبرئيل عليه السلام كما صرح بها في قوله: {وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَة}. فهلكوا. فالمراد بالصاعقة: الصيحة لا حقيقتها. وهي نار تنزل من السماء فتحرق ما أصابته. وقيل: أتتهم صيحة من السماء، فيها صوت كل صاعقة، وصوت كل شيء في الأرض، فتقطعت قلوبهم في صدورهم. وقال بعضهم: أهلكوا بالصاعقة حقيقة بأن جاءت نار من السماء


(١) الشوكاني والبحر المحيط.
(٢) روح البيان.