السياق، والتقدير: إنا أرسلنا رسلاً من البشر، وأوحينا إليهم ما أوحينا، ثم صدقنا وعدنا إياهم؛ أي: أنجزنا وعدهم الذي وعدناهم بإنجائهم، وإهلاك من كذبهم، ولهذا قال سبحانه:{فَأَنْجَيْنَاهُمْ وَمَنْ نَشَاءُ} من عبادنا المؤمنين؛ أي: فنصرناهم على المكذبين، وأنجيناهم، هم ومن آمن معهم من العذاب الدنيوي {وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ}؛ أي: المجاوزين للحد في الكفر والمعاصي، وهم المشركون بالعذاب الدنيوي.
١٠ - وبعد أن حقق رسالته - صلى الله عليه وسلم - ببيان أنه كسائر الرسل الكرام شرع يحقق فضل القرآن الكريم، ويبين نفعه للناس، بعد أن ذكر في صدر السورة إعراض الناس عما يأتيهم من آياته، واضطرابهم في شأنه فقال:{لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ} يا معشر قريش، أي: وعزتي وجلالي لقد أنزلنا إلى رسولكم محمد - صلى الله عليه وسلم - {كِتَابًا} عظيم الشأن نبر البرهان، وهو القرآن {فِيهِ ذِكْرُكُمْ} صفة لـ {كِتَابًا}، أي: فيه شرفكم لكونه بلسانكم، أو فيه موعظتكم بذكر الوعد والوعيد لترغبوا، وتحذورا، أو فيه ذكر أمر دينكم بما اشتمل عليه من مكارم الأخلاق، وفاضل الآداب، وسديد الشرائع، والأحكام مما فيه سعادة البشر في حياتهم الدنيوية والأخروية، وليس بسحر، ولا شعر، ولا أضغاث أحلام، ولا مفترىً كما تدّعون.
والهمزة في قوله:{أَفَلَا تَعْقِلُونَ} للاستفهام التوبيخي التقريعي. والفاء عاطفة على محذوف، والتقدير: ألا تتفكرون فتعقلوا أن الأمر كذلك، أي: أفلا تتفكرون فيما في تضاعيفه من فنون المواعظ، وقوارع الزواجر، فتحذروا الوقوع فيما يخالف أمره ونهيه، ولا يخفى ما في هذا من الحثّ على التدبر؛ لأن الخوف من لوازم العقل، فمن لم يتدبَّرْ فكأنه لا عقل له.
وروي عن ابن مسعود - رضي الله عنه - (١): لمّا دنا فراق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جمعنا في بيت أمِّنا عائشة - رضي الله عنها - ثم نظر إلينا فدمعت عيناه، وقال: "مرحبا بكم، حيّاكم الله، رحمكم الله تعالى، أوصيكم بتقوى الله تعالى وطاعته،