للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

منصوبًا لكونه ناب عن الفاعل.

١٣ - {قَالَ}؛ أي: قالَ يَعْقُوبُ مُجِيبًا لهم: {إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا}؛ أي: لَيُؤْلِمُ قَلْبي ذَهابُكُم به؛ لأني لا أصْبِرُ عنه ساعة {وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ} لكثرة الذئب في تلك الأرض {وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ} لاشتغالكم بالاتساع في الملاذ وبنحو التناضل.

واللام (١) في قوله: {لَيَحْزُنُنِي} لام الابتداء، فإن قيل: لام الابتداء تُخَلِّصُ المضارعَ للحال عند جمهور النحاة، والذهابُ ههنا مستقبل، فيلزم تقدم الفعل على فاعله، مع أنه أَثَرُه .. قلنا: إنَّ التَّقْدِيرَ قصد أن تذهبوا به، والقصد حال، أو تصورُ ذَهابكم، وتوقعه، والتصور موجود في الحال، كما في العِلَّةِ الغائية، والحزن ألم القلب بفوت المحبوب، والخوف انزعاجُ النفس لنزول المكروه، ولذلك أسند الأولَ إلى الذهاب به المفوِّت لاستمرار مصاحبته، ومُوَاصلته ليوسف. والثاني: إلى ما يتوقع نزوله من أكل الذئب.

ورُوِي أنَّه رأى في المنام كأنه على رأس جبل، ويوسف في صحراء فَهَجَمَ عليه أحد عَشَرَ ذِئْبًا، فغاب يُوسُفُ بينهن، ولذا حَذَّرَهم من أكل الذئب، ومَع ذلك فَقد دَفَعَهُ إلى إخوته؛ لأنه إذا جاء القَدَرُ عَمِيَ البَصَرُ.

والحاصل (٢): أن يعقوبَ اعتذرَ لهم بشيئين:

أحدهما: عاجل في الحال، وهو ما يَلْحَقه من الحزن لمفارقته، وكان لا يصبر عَنْهُ.

والثاني: خوفه عليه من الذئب إنْ غفلوا عنه برعيهم ولعبهم، أو بقلَّةِ اهتمامهم بحفظه، وعنايتهم، فيأكله ويَحْزُن عليه الحُزْنَ المؤبَّد. وخصَّ الذِّئبَ لأنه كان السَّبُع الغالب على قطره، أو لصِغَر يُوسُفَ، فخافَ عليه هذا السَّبعَ الحقير، وكان تنبيهًا على خوفه عليه، ما هو أعظم افتراسًا ولحقارة الذئب، خصَّهُ الربيع بن ضبع الفزاري في كونه يَخْشَاهُ لَمَّا بَلَغَ مِنَ السِّنِّ:


(١) روح البيان.
(٢) البحر المحيط.