إحداث النار من الشجر الأخضر، مع ما فيه من الماء .. قادر على إعادة الحياة إلى ما كان غضا طريا، ثم يبس وبلي، ثم ذكر ما هو أعظم من خلق الإنسان، وفيه الدليل على قدرته، وهو خلق السموات والأرض، ثم أعقب ذلك بما هو كالنتيجة لما سلف، وفيه بطلان لإنكارهم. فأبان أن كل شيء هين عليه، فما هو إلا بقول:{كُنْ}{فَيَكُونُ}. تنزه ربنا ذو الملك والملكوت عن كل ما يقول المشركون. فإليه يرجع جميع الخلق للحساب والجزاء.
أسباب النزول
قوله تعالى:{أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ ...} الآيات، سبب نزول هذه الآيات: ما أخرجه مجاهد، وعكرمة، وعروة بن الزبير، وقتادة أن أبي بن خلف، جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في يده عظم رميم، وهو يفتّته بيده ويذروه في الهواء، ويقول: أتزعم يا محمد، أن الله يبعث هذا؟ قال - صلى الله عليه وسلم -: «نعم يميتك الله ثم يبعثك ثم يحشرك إلى النار». ثم نزلت هذه الآيات من سورة يس:{أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ ...} إلى آخرهن.
التفسير وأوجه القراءة
٥٥ - ولما ذكر الله سبحانه حال الكافرين .. أتبعه بحكاية حال عباده الصالحين، وجعله من جملة ما يقال للكفار يومئذ، ويخاطبون به زيادة لحسرتهم، وتكميلًا لجزعهم، وتتميما لما نزل بهم من البلاء، وما شاهدوه من الشقاء. فإذا رأوا ما أعده الله لهم من أنواع العذاب، وما أعده لأوليائه من أنواع النعيم .. بلغ ذلك من قلوبهم مبلغًا عظيمًا، وزاد في ضيق صدورهم زيادة لا يقادر قدرها، فقال:{إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ}؛ أي: يوم القيامة مستقرون {فِي شُغُلٍ} عظيم الشأن، خبر أول لـ {إِنَّ}، والمراد بالشغل هنا: الشأن الذي يصد المرء عما سواه من شؤونه، لإيجابه كمال المسرة والبهجة؛ أي: لكائنون في شغل عظيم بما هم فيه من اللذات، التي هي ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، عن الاهتمام بأمر الكفار، ومصيرهم إلى النار، وإن كانوا من أقربائهم.