للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بما أعد لكم من العذاب على ذلك، ولتتقوا بهذا الإنذار ما يسخط ربكم عليكم بالشرك في عبادته، والإفساد في أرضه، وليعدكم بالتقوى لرحمته التي ترجى لكل من أجاب الدعوة واتقى.

وفي قوله (١): {عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ} بيان لشبهتهم على الرسالة، وهي أن الرسول بشر مثلهم، فكأنهم كانوا يرون أن الاشتراك في البشرية والصفات العامة يقتضي التساوي في جميع الخصائص والمزايا، ويمنع الانفراد بشيء منها، والمشاهدة أكبر برهان على بطلان هذه القضية، فالتفاوت في الغرائز والصفات الفاضلة، والاختلاف في القوى العقلية والمعارف والأعمال الكسبية جد عظيم في البشر، وليس في الأنواع الأخرى ما يشبه الإنسان في ذلك إلى أنه لو فرض التساوي بينهم، فهل هذا يمنع أن يختص لله بعض عباده بما هو فوق المعهود في الغرائز والمكتسب بالتعلم؟ كلا، إنه تعالى قدير على ذلك، وقد قضت به مشيئته، ونفذت به قدرته.

٦٤ - {فَكَذَّبُوهُ}؛ أي: فبعد ذلك كذبه جمهورهم، واستمروا على ذلك، وخالفوا أمر ربهم، ولجوا في طغيانهم يعمهون؛ أي: كذبوا نوحا في ادعاء النبوة، وتبليغ الأحكام من الله، وأصروا على ذلك التكذيب تلك المدة المتطاولة بعد ما كرر عليهم الدعوة مرارا، فلم يزدهم إلا فرارا حسبما نطق به قوله تعالى: {قالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهارًا (٥) ...} الآيات.

{فـ} أغرقناهم كما سيأتي آنفا، و {أنجيناه}؛ أي: أنجينا نوحا من الغرق. {وَ} أنجينا {الَّذِينَ} آمنوا وصحبوا {مَعَهُ فِي الْفُلْكِ} من الغرق قيل: كانوا أربعين رجلا وأربعين امرأة، وقيل: كانوا تسعة، أبناؤه الثلاثة، وستة من غيرهم، وقيل: كانوا ثلاثة عشر، نوح وبنوه الثلاثة سام وحام ويافث وأزواجهم، وستة ممن كانوا آمنوا به، وقد جاءت القصة مفصلة في سورة هود، وسيأتي فيها: {وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ}.


(١) المراغي.