للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

جميع أمورهم، وقرأ الحسن: {ألا إنما طيرهم} وكان النبي صلى الله عليه وسلّم (يتفاءل ولا يتطير) وأصل الفأل الكلمة الحسنة، كانت العرب مذهبها في الفأل والطيرة واحد، فأثبت النبي صلى الله عليه وسلّم الفأل وأبطل الطيرة {وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ}؛ أي: ولكن أكثر الناس لا يعلمون حكمة تصرف الخالق في هذا الكون، ولا أسباب الخير والشر، ولا أن كل شيء فيه جاء بمشيئته وتدبيره؛ لأن أكثر الخلق يضيفون الحوادث إلى الأسباب المحسوسة، ويقطعونها عن قضاء الله تعالى وقدره، والحق أن الكل من الله، فإسنادها إلى غير الله تعالى يكون جهلا بكمال الله تعالى.

١٣٢ - وبعد أن ذكر أن هذه الحسنات والسيئات لم تردعهم عماهم فيه من الطغيان .. ذكر أنّه أصابهم بضروب أخرى من العذاب، وهي في أنفسها آيات بينات وهم مع ذلك لم يرعووا عن كفرهم وعنادهم {وَقالُوا}؛ أي: آل فرعون وهم القبطيون لموسى عليه السلام {مَهْما تَأْتِنا بِهِ}؛ أي: أي شيء تأتنا به وتظهره لدينا {مِنْ آيَةٍ}؛ أي: من علامة من عند ربك {لِتَسْحَرَنا}؛ أي: لتصرفنا عما نحن عليه من الدين بِها؛ أي: بتلك الآية {فَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ}؛ أي: بمصدقين لك في الرسالة بسبب تلك الآية.

أي: إنّك إن جئتنا بكل نوع من أنواع الآيات، التي يستدل بها على أنّك محق في دعوتك، لأجل أن تسحرنا بها، وتصرفنا بها بدقة ولطف عما نحن فيه من ديننا، ومن تسخيرنا لقومك في خدمتنا، فما نحن بمصدقين لك، ولا بمتبعين رسالتك، والضميران في {بِهِ} و {بِها} راجعان لـ {مَهْما} الأول مراعاة للفظها، والثاني مراعاة لمعناها.

وهذا شروع في بيان ضرب آخر مما أخذوا به من فنون العذاب، التي هي أنفسها آيات بينات، وعدم رجوعهم مع ذلك عما كانوا عليه من العناد؛ أي: قالوا بعد ما رأوا ما رأوا من شأن العصا والسنين، ونقص الثمار: {مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ ...} الخ. وكان موسى رجلا حديدا حارا، فعند ذلك دعا عليهم وقال: يا رب إنّ عبدك فرعون علا في الأرض وبغى وعتا، وإنّ قومه قد نقضوا العهد، رب فخذهم بعقوبة تجعلها عليهم نقمة، ولقومي عظة، ولمن بعدهم آية،