فإن قلت (١): كيف أضاف الفطرة إلى نفسه والرجوع الذي هو البعث إليهم مع علمه بأن الله فطرهم وإياه، وإليه يرجع هو وهم، فلم يقل: الذي فطرنا وإليه نرجع، أو: فطركم وإليه ترجعون؟.
قلت: لأن الخلق والإيجاد نعمة من الله تعالى، توجب الشكر، والبعث بعد الموت للجزاء وعيد من الله يوجب الزجر، فأضاف ما يقتضي الشكر إلى نفسه؛ لأنه أليق بايمانه، وما يقتضي الزجر إليهم؛ لأنه أليق بكفرهم.
والمعنى: أي وما يمنعني من إخلاص العبادة للذي خلقني، وإليه المرجع للجزاء يوم المعاد، فيجازيكم على أعمالكم إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر، وفي هذا تقريع لهم بتركهم عبادة الخالق، وعبادة غيره، وتهديد بتخويفهم بالرجوع إلى شديد العقاب،
٢٣ - ثم أعاد التوبيخ مرةً أخرى، وساق الكلام المساق الأول، وهو إبراز الكلام في صورة النصيحة لنفسه فقال:{أَأَتَّخِذُ}؛ أي: أأعبد {مِنْ دُونِهِ} تعالى، {آلِهَةً} آلهة لا تملك من الأمر شيئًا، وهي الأصنام، وهو إنكار ونفي لاتخاذ الآلهة على الإطلاق؛ أي: لا أتخذ من دون الذي فطرني آلهة باطلة لا تنفعني ولا تضرني، فجعل الإنكار متوجهًا إلى نفسه، وهم المرادون به؛ أي: لا أتخذ من دون الله آلهة وأعبدها، وأترك عبادة من يستحق العبادة، وهو الذي فطرني، ثم بيّن حال هذه الأصنام التي يعبدونها من دون الله سبحانه إنكارًا عليهم، وبيانًا لضلال عقولهم وقصور إدراكهم فقال:{إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ} وقرأ طلحة بن مصرف {إن يزدني} بفتح الياء؛ أي: إن أرادني الرحمن بضرر؛ أي: إن أراد الرحمن أن يصيبني بسوء ومكروه {لَا تُغْنِ عَنِّي}؛ أي: لا تدفع عني، {شَفَاعَتُهُمْ}؛ أي: شفاعة تلك الآلهة، {شَيْئًا} من الضرر؛ أي: لا تنفعني شيئًا من النفع، إذ لا شفاعة لهم فتنتفع، فنصب {شَيْئًا} على المصدرية، وقوله:{لَا تُغْنِ} جواب الشرط، والجملة الشرطية مستأنفة لا محل لها من الإعراب، {وَلَا يُنْقِذُونِ}؛ أي: لا يخلصونني من ذلك الضرر والمكروه بالنصرة والمظاهرة، وهو عطف على {لَا تُغْنِ}، وعلامة الجزم فيه حذف نون الإعراب؛ لأن أصله لا ينقذونني، وهو تعميم بعد تخصيص مبالغةً بهما في عزهم وانتفاء قدرتهم.