للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الأمانات إلى أهلها، وبالحكم بين الناس بالعدل، مخاطبًا بذلك جميع الأمة،

٥٩ - أمر بطاعة الله وطاعة الرسول وطاعة أولي الأمر، إذ لا تقوم المصالح العامة إلا بذلك، فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} وصدقوا بما جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - {أَطِيعُوا اللَّهَ} واعملوا بكتابه فيما أمر به ونهى عنه، {وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} محمدًا - صلى الله عليه وسلم - واعملوا بسنته، فقد جرت سنة الله تعالى بأن يبلغ عنه شرعه رسل منا تكفل بعصمتهم، وأوجب علينا طاعتهم، {و} أطيعوا {أولي الأمر}؛ أي: أصحاب أمر الأمة ومتولي شؤونهم بالأمر والنهي لهم حالة كونهم كائنين {مِنْكُمْ} أيها المؤمنون، وهم (١) الأمراء والحكام والعلماء ورؤساء الجند، وسائر الرؤساء والزعماء الذين يرجع إليهم الناس في الحاجات والمصالح العامة، فهؤلاء إذا اتفقوا على أمر أو حكم وجب أن يطاعوا فيه، بشرط أن يكونوا أمناء، وأن لا يخالفوا أمر الله ولا سنة رسوله، التي عرفت بالتواتر، وأن يكونوا مختارين في بحثهم في الأمر واتفاقهم عليه، وأما العبادات وما كان من قبيل الاعتقاد الديني: فلا يتعلق به أمر أهل الحل والعقد، بل إنما يؤخذ عن الله ورسوله فحسب، وليس لأحد رأي فيه إلا ما يكون في فهمه، فأهل الحل والعقد من المؤمنين إذا أجمعوا على أمر من مصالح الأمة ليس فيه نص عن الشارع، وكانوا مختارين في ذلك، غير مكرهين بقوة أحد ولا نفوذه .. فطاعتهم واجبة، كما فعل عمر - رضي الله عنه - حين استشار أهل الرأي من الصحابة في اتخاذ الديوان الذي أنشأه، وفي غيره من المصالح التي أحدثها برأي أولي الأمر من الصحابة، ولم تكن في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولم يعترض عليه أحد من علمائهم في ذلك.

وقال الشوكاني (٢): وأولو الأمر هم الأئمة والسلاطين والقضاة، وكل من كانت له ولاية شرعية لا ولاية طاغوتية، والمراد طاعتهم فيما يأمرون به وينهون عنه، ما لم تكن معصية، فلا طاعة لمخلوق في معصية الله، كما ثبت ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من أطاعتني فقد


(١) المراغي.
(٢) فتح القدير.