الأول: فَهْم الدعوى من الدعي، والجواب من المدعى عليه؛ ليعرف موضع التنازع والتخاصم بأدلته من الخصمين.
والثاني: خلو الحاكم من التحيز والميل إلى أحد الخصمين.
والثالث: معرفة الحاكم الحكم الذي شرعه الله تعالى؛ ليفصل بين الناس على مثاله من الكتاب أو السنة أو إجماع الأمة.
والرابع: تولية القادرين على القيام بأعباء الأحكام.
وقد أمر المسلمون بالعدل في الأحكام والأقوال والأفعال والأخلاق، قال تعالى:{وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى}، وقال تعالى:{اعدلوا هو أقرب للتقوى}، ثم بَيَّن حسن العدل وأداء الأمانة، فقال:{إن الله} سبحانه وتعالى {نعما يعظكم به}؛ أي: نعم الشيء الذي يعظكم به، والمخصوص بالمدح أداء الأمانات، والحكم بالعدل بين الناس؛ إذ لا يعظكم إلا بما فيه صلاحكم وسعادتكم في الدنيا والآخرة. قرأ الجمهور بكسر النون إتباعًا لحركة العين؛ لأن أصله: نعم على وزن شهد، وقرأ بعض القراء بفتح النون على الأصل، وقرأ أبو عمرو بكسر النون وسكون العين.
{إنَّ اللهَ} سبحانه وتعالى {كاَنَ سميعًا} لكل المسموعات، يسمع ذلك الحكم إذا حكمتم بالعدل، {بَصِيرًا} لكل المبصرات، يبصركم إذا أديتم الأمانة، فيجازيكم على ما يصدر منكم.
والمعنى: فعليكم أن تعملوا بأمر الله ووعظه، فإنه أعلم منكم بالمسموعات والمبصرات، فإذا حكمتم بالعدل .. فهو سميع لذلك الحكم، وإن أديتم الأمانة .. فهو بصير بذلك، فيجازيكم على كل الأفعال والأقوال، وفي هذا وعد عظيم للمطيع ووعيد شديد للعاصي.
وإلى ذلك الإشارة بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "اعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه .. فإنه يراك" متفق عليه. وفيه أيضًا إيماء إلى الاهتمام بحكم القضاة والولاة؛ لأنه قد فوض إليهم النظر في مصالح العباد، وبعد أن أمر الله سبحانه وتعالى بأداء