ويهينه في الدنيا، فيظهر عند ذلك أنّه المبطل، وخصمه المحقّ. والمراد بهذا العذاب، عذاب الدنيا، وما حلّ بهم من القتل والأسر والقهر والذلّة وخزي أعدائه، دليل على غلبته، فقد نصره الله سبحانه، وعذَّب أعداءه، وأخزاهم يوم بدر.
ثم ذكر عذاب الآخرة فقال:{وَيَحِلُّ عَلَيْهِ}؛ أي: ينزل عليه من أفعاله من الحلول بمعنى النزول، {عَذَابٌ مُقِيمٌ}؛ أي: دائم إلى الأبد، لا يفارقه ولا ينقطع عنه، وهو عذاب النار.
يعني: أنتم الهالكون؛ بسبب كونكم على البطلان، ونحن الناجون؛ بسبب كوننا على الحق، فسوف ينكشف ربحنا وخسرانكم، وسوف تظهر زيادتنا ونقصانكم، وسوف يغالبكم الله، ولا جواب لكم، ويعذّبكم ولا شفيع لكم، ويدمّر عليكم ولا صريخ.
والمعنى (١): اعملوا على ما أنتم تعتقدون في أنفسكم من القوّة والشدّة واجتهدوا في أنواع مكركم وكيدكم، فإني عامل أيضًا في تقرير ديني، والسعي في نشره بين الناس، فسوف تعلمون أنّ العذاب والخزي في الدنيا يصيبني أو يصيبكم، فيظهر حينئذ أيُّنا المبطل، أنا أو أنتم، ويحل علي العذاب المقيم الدائم في الآخرة أو عليكم.
٤١ - ثمّ لمّا كان يعظم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إصرارهم على الكفر .. أخبره بأنه لم يكلّف إلَّا بالبيان، لا بأنه يهدي من ضلّ فقال:{إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ}؛ أي؛ القرآن {لِلنَّاسِ}؛ أي: لأجل نفعهم واهتدائهم به، فإنه مناط لمصالحهم في المعاش والمعاد، وفيه بيان ما كُلّفوا به، و {بِالْحَقِّ} إما حال من فاعل {أَنْزَلْنَا}؛ أي: حال كوننا محقّين في إنزاله، أو من مفعوله؛ أي: حال كون ذلك الكتاب متلبسًا بالحق والصدق؛ أي: كل ما فيه حقٌّ وصواب لا ريب فيه، موجب للعمل به حتمًا. {فَمَنِ اهْتَدَى} بأن عمل بما فيه {فَلِنَفْسِهِ}؛ أي: إنما نفع به نفسه {وَمَنْ ضَلَّ} بأن لم يعمل بما فيه {فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا} لما أن وبال ضلاله مقصور عليها {وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ}؛ أي: بمكلف بهدايتهم مخاطب، بل ليس عليك إلا البلاغ،