٣ - ٨٠ {و} الذي {إِذَا مَرِضْتُ}؛ أي: أصابني مرض {فَهُوَ} وحده {يَشْفِينِ} ـي؛ أي: يبرئني ويعافيني من المرض؛ أي: ينعم علي بالشفاء إذا حصل لي مرض، لا الأطباء، وذلك أنهم كانوا يقولون: المرض من الزمان، ومن الأغذية، والشفاء من الأطباء والأدوية، فأعلم إبراهيم أن الذي أمرض هو الذي يشفي، وهو الله تعالى.
والخلاصة: أني إذا مرضت لا يقدر على شفائي أحد غيره مما يقدر من الأسباب الموصلة إلى ذلك، وحكي عن بعضهم أنه مرض وضعف حتى اصفر لونه، فقيل له: ألا ندعو لك طبيبًا يداويك من هذا المرض؟ فقال: الطبيب أمرضني.
فإن قلت: لِمَ (١) نسب المرض إلى نفسه حيث قال: {وَإِذَا مَرِضْتُ} ولم يقل: وإذا أمرضني، والشفاء إلى الله تعالى حيث قال {فَهُوَ يَشْفِينِ} مع أنهما من الله تعالى؟
قلت: أراد الثناء على ربه، فأضاف إليه الخير المحض الذي هو الشفاء، وأضاف المرض الذي هو النقمة إلى نفسه لرعاية حسن الأدب؛ لأنه لو قال: وإذا أمرضني لعد قومه ذلك عيبًا، ونظيره قصة الخضر حيث قال في العيب:{فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا}، وفي الخير المحض {فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا}، وكذا الجن راقبوا هذا الأدب بعينه، حيث قالوا: {وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا (١٠)}.
فإن قيل: فهذا يرده قوله: {وَالَّذِي يُمِيتُنِي}؟.
فالجواب: أن القوم كانوا لا ينكرون الموت، وإنما يجعلون له سببًا سوى تقدير الله تعالى، فأضافه إبراهيم إلى الله عز وجل. اهـ. من "زاد المسير".