للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

المعجزات، كما أن قومك يسخرون مما جئتهم به، وفي هذا تسلية لرسوله - صلى الله عليه وسلم - على، ما كان يلقاه من قومه المشركين، وإعلام له بأن قومه لن يعدوا أن يكونوا كسائر الأمم، الذين كانوا على منهاجهم في الكفر بالله، وتكذيب. رسله، وندب له أن يستن بسنة أولي العزم من الرسل، في الصبر على أذي أقوامهم، وتكذيبهم لهم، وإخبار بأن عقبى أمرهم الهلاك، كسنته في الكافرين قبلهم، وظفره بهم، وعلو أمره، كما فعل بموسى عليه السلام وقومه، الذين آمنوا معه من إظهارهم على فرعون وملئه.

٤٨ - {وَمَا نُرِيهِمْ}؛ أي: وما أرينا فرعون وملأه {مِنْ آيَةٍ} من تلك الآيات؛ أي: حجة من حججنا الدالة على صدق رسولنا في دعواه الرسالة {إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا}؛ أي: إلا كانت أعظم من سابقتها في الحجية عليهم، وآكد في الدلالة على صحة ما يأمر به من توحيد الله؛ أي: كل واحدة من آيات موسى أكبر مما قبلها، وأعظم قدرًا، مع كون التي قبلها عظيمة في نفسها.

وقيل المعنى (١): إن الأولى تقتضي علمًا، فإذا ضمت الثانية إلى الأولى ازداد الوضوح، ومعنى الأخوة بين الآيات: أنها متشاكلة متناسبة في دلالتها على صحة نبوة موسى، كما يقال: هذه صاحبة هذه؛ أي: هما قرينتان في المعني، وقيل: المعني أن كل واحدة من الآيات إذا انفردت ظن الظان أنها أكبر أو سائر الآيات، ومثل هذا: قول القائل:

مَنْ تَلْقَ مِنْهُمْ تَقُلْ لَاقَيْتُ سَيِّدَهُمْ ... مِثْلُ النَّجُوْمِ الَّتِيْ يَسْرِيْ بِهَا السَّارِيْ

وجملة قوله: {إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا} في محل جر، صفة لـ {آيَةٍ}.

ثم بين ما جوزوا به على تكذيبهم، فقال: {وَأَخَذْنَاهُمْ}؛ أي: أخذنا فرعون وقدمه {بِالْعَذَابِ} وعاقبناهم بالسنين، والطوفان والجراد والدم والطمس ونحوها، وكانت هذه الآيات دلالات ومعجزات لموسى، وزجرًا وعذابًا للكافرين {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}؛ أي: لكي يرجعوا (٢) عما هم عليه أو الكفر، فإن من جهولية نفس


(١) الشوكاني.
(٢) روح البيان.