للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وكونه من المقربين، وكونه يكلم الناس في المهد، وكونه من الصالحين، وكونه يعلم الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل، وكونه رسولًا إلى بني إسرائيل، فهذا كله قاله لها الملك قبل وجود عيسى. تأمل {اسْمُهُ}؛ أي: اسم ذلك الولد {الْمَسِيحُ} قدم اللقب على الاسم لشهرته به، وإنما سُمي بالمسيح؛ لأنه يسيح في البلدان، أو لأنه ما مسح بيده ذا عاهة إلا برىء من مرضه، فهو فعيل بمعنى: فاعل، أو لأنه ممسوح القدمين، فليس فيهما خمص، والأخمص ما تجافى عن الأرض من باطن الرِّجْل، وكان عيسى أمسح القدم لا خمص له، أو لمسحه بالبركة، أو لمسحه بالدهن الذي يمسح به الأنبياء حين خرج من بطن أمه، أو لمسح الجمال إياه، وهو ظهوره عليه، أو لمسحه من الأقذار التي تنال المولودين؛ لأن أمه كانت لا تحيض، ولم تدنس بدم نفاس، فعلى هذه الأقوال، فهو فعيل بمعنى: مفعول، وقال أبو عبيد: أصله بالعبرانية مشيخًا، فغير، فعلى هذا يكون اسمًا مرتجلًا ليس هو مشتقًا من المسح، ولا من السياحة، فمشيخا معناه: المبارك {عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ} وعيسى معرب: أيشوع، مشتق من العيس، وهو بياض يعلوه حمرة. فإن قلت: لِمَ قيل اسمه المسيح عيسى ابن مريم، وهذه ثلاثة أشياء الاسم والكنية واللقب؟.

قلتُ: المراد اسمه الذي يتميز به عن غيره، وهو لا يتميز إلا بمجموع الثلاثة، وبهذا تعلم أن الخبر عن اسمه إنما هو مجموع الثلاثة من حيث المعنى، لا كل واحد منها على حياله، فهذا على حد الرُّمان حلو حامض، وإنما نسبه الله تعالى إلى الأم إعلامًا لها بأنه محدث بغير الأب، فكان ذلك سببًا لزيادة فضله وعلو درجته، وإنما لم بقل: ابنك كما هو الظاهر إشارةً إلى أنه يكنى بهذه الكنية المشتملة على الإضافة للظاهر. {وَجِيهًا} حال مقدرة من {كلمة}، وكذا قوله: {وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ}،

٤٦ - وقوله: {وَيُكَلِّمُ النَّاسَ}، وقوله: {من الصالحين} فهذه أربعة أحوال من {كلمة}، والتذكير باعتبار معناها، وهي وإن كانت نكرة، لكنها موصوفة، أي: حالة كونه شريفًا رفيعًا ذا جاء وقدر. {فِي الدُّنْيَا} بالنبوة وبإحياء الموتى، وإبراء الأكمه والأبرص بسبب دعائه. {و} في {الْآخِرَةِ} بجعله شفيع أمته، وبقبول شفاعته فيهم، وبعلو درجته عند الله تعالى {و} حالة كونه كائنًا