للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ولما اتجه نحو مدين ماضيًا إليها خارجًا عن مدينة فرعون قال: رب اهدني إلى سواء السبيل، وأرشدني إلى الطريق القويم، ونجني من هؤلاء الظلمة، وقد قال هذا توكلًا على الله، وثقة بحسن توفيقه، وقد كان لا يعرف الطريق، فعنَّ له ثلاث طرائق، فسار في الوسطى، وأخذ طالبوه في الآخرين، وقالوا: المريب لا يسلك أعظم الطرق، بل يأخذ بنياتها - أضيقها غير المشهور -، وقد روي: أنه بقي ثماني ليال وهو حاف لا يطعم إلا ورق الشجر، إذ ليس معه زاد، ولا دابة يركبها.

٢٣ - ثم ذكر سبحانه ما جرى له حين وصوله إلى مدين من الأحداث، فقال: {وَلَمَّا وَرَدَ}؛ أي: ولما وصل موسى وجاء {مَاءَ مَدْيَنَ} وهو (١) بئر على طرف المدينة على ثلاثة أميال منها أو أقل كانوا يسقون منها، قال (٢) ابن عباس - رضي الله عنهما -: ورد موسى عليه السلام ماء مدين وإنه ليتراءى خضرة البقل في بطنه من الهزال، {وَجَدَ عَلَيْهِ}؛ أي: على جانب البئر وفوق شفيرها {أُمَّةً}؛ أي: جماعة كثيرة {مِنَ النَّاسِ}؛ أي: من أهل مدين {يَسْقُونَ} مواشيهم من مائها، قيل: كانوا أربعين رجلًا.

{وَوَجَدَ} موسى {مِنْ دُونِهِمُ}؛ أي: من دون الناس الذين يسقون، أي: في مكان أسفل منهم {امْرَأَتَيْنِ} صفورياء وليا، ابنتا يثرون، ويثرون هو شعيب. قاله السهيلي في "كتاب التعريف"، {تَذُودَانِ}؛ أي (٣): تحبسان وتمنعان أغنامهما عن المتقدم إلى الماء حتى يفرغ الناس، وتخلو لهما البئر. وقيل: تكفان أغنامهما عن أن تختلط بأغنام الناس، وقيل تمنعان أغنامهما عن أن تَنِدَّ، وتذهب، والقول الأول أولى لما بعده، وقوله: {قَالَ} موسى للمرأتين {مَا خَطْبُكُمَا}؛ أي: ما شأنكما لا تسقيان مواشيكما مع الناس، والخطب (٤) الأمر العظيم الذي يكثر فيه التخاطب؛ أي: ما شأنكما فيما أنتما عليه من التأخر والذود، ولم لا تباشران


(١) روح البيان.
(٢) روح البيان.
(٣) الخازن.
(٤) روح البيان.