وأخَّر ثمود مع تقدمه على فرعون زمانًا؛ لرعاية الفواصل، وكان فرعون من المتأخرين في الهلاك، فدل بقصته وقصة ثمود على أمثالها من قصص الأمم المكذبة وهلاكهم.
١٩ - ثم أضرب عن مماثلة هؤلاء المشركين في عصره - صلى الله عليه وسلم - لمن تقدم ذكره، وبين أنهم أشد منهم في الكفر والتكذيب فقال:{بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا} من قومك {فِي} أشد {تَكْذِيبٍ} لك ولما جئت به، ولم يعتبروا بمن كان قبلهم من الأمم المكذبة المهلكة، فهؤلاء أشد منهم في الكفر والطغيان، وتنكير {تَكْذِيبٍ} للتعظيم، كأنه قيل: ليسوا مثلهم في ذلك، بل هم أشد منهم في استحقاق العذاب واستيجاب العقاب، فإنهم مستقرون في تكذيب شديد للقرآن الناطق بذلك، لكن لا أنهم يكذبون بوقوع الحادثة، بل يكذبون كون ما نطق قرآنًا من عند الله مع وضوح أمره وظهور حاله بالبينات الباهرة.
وحاصل معنى الآيات: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ (١٧)}؛ أي: هل (١) بلغك يا محمد ما صدر من أولئك الجنود من التمادي في الكفر والضلال، وما حل بهم من العذاب والنكال.
والخلاصة: أنه قد أتاك خبرهم، وعرفت ما فعلوا وما جازاهم ربهم به، فذكر قومك بأيام الله، وأنذرهم أنه سيصيبهم ما أصاب أماثلهم من أهل الضلال.
ثم بين من هم أولئك الجنود، فقال: {فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ (١٨)}، وحديث هذين مشهور متعارف بينهم، فقد كانوا يعرفون من يهود المدينة وغيرهم ما كان من فرعون مع كليم الله موسى عليه السلام من العناد، والإصرار على الكفر، وما كان من عاقبة أمره، وأن الله أغرقه في اليم هو وقومه، وأذاقه الوبال في الآخرة والأولى، كما كانوا يعرفون قصة ثمود مع صالح عليه السلام، وأنهم عقروا الناقة التي جعلها الله لهم آية، فدمر بلادهم وأهلكهم، ولم يترك لهم من باقية، وهم يمرون على ديارهم في أسفارهم ويسمعون أخبارهم.