الغيبية التي تقع في المستقبل بوحي أو إلهام من الله عز وجل، وقد كان جميع أنبيائهم من بعد موسى يحكمون بما في التوراة ويعملون بها، حتى المسيح عليه السلام. وأيضًا فإن الله تعالى أعلم موسى أنَّه يبعث من بعده في بني إسرائيل أنبياء، فكان هذا شرفًا عظيمًا لهم، ونعمة ظاهرة عليهم.
والثاني: ما ذكره بقوله: {وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا}؛ أي: واذكروا إنعام الله تعالى عليكم حين جعلكم ملوكًا وأحرارًا تملكون أنفسكم بعد أن كنتم عبيدًا في أيدي القبط. والمراد من الملك هنا: الحرية في تدبير أمورهم وأمور أسرهم بأنفسهم. وفي هذا من تعظيم هذه النعمة ما لا يخفى، ويؤيد هذا: ما رواه أبو سعيد الخدري، مرفوعًا "كان بنو إسرائيل إذا كان لأحدهم خادم ودابة وامرأة كتب ملِكًا". وما رواه أبو داود عن زيد بن أسلم: "من كان له بيت وخادم .. فهو ملك ولا شك أن من كان متمتعًا بمثل هذا .. كان متمتعًا بنحو ما يتمتع به الملوك من الراحة والحرية في التصرف في سياسة بيته، والناس يقولون إلى الآن لمن كان مخدومًا مع عشيرته، هانئًا في معيشته، مالكًا لمسكنه: هذا ملك أو ملك زمانه، يريدون أنه يعيش عيشة الملوك. وقال الضحاك: كانت منازلهم واسعة، فيها مياه جارية، ومن كان مسكنه واسعًا وفيه ماء جارٍ .. فهو ملك.
والثالث: ما ذكره بقوله: {وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ}؛ أي: ويا قوم اذكروا إنعام الله تعالى عليكم حين أعطاكم ما لم يعطِ أحدًا من العالمين، من فلق البحر، وإغراق العدوّ، وإيراث أموالهم، وإنزال المن والسلوى، وإخراج المياه العذبة من الحجر، وتظليل الغمام؛ فإن ذلك لم يوجد في غير بني إسرائيل، أو عالمي زمانهم، وشعوبه التي كانت مستعبدة للطغاة من الملوك، فقد خصهم بأنواع عظيمة من الإكرام، فقد فلق البحر لهم، وأهلك عدوهم، وأورثهم أموالهم، وأنزل عليهم المنّ والسلوى، وأظل فوقهم الغمام، إلى غير ذلك من النعم التي أنعم الله بها عليهم،
٢١ - وبعد أن ذكرهم موسى بهذه النعم وشرحها لهم، أمرهم بمجاهدة العدوّ، وأبان لهم أن الله ناصرهم ما نصروه فقال: {يَا قَوْمِ ادْخُلُوا