للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ}؛ أي: المطهرة (١) من الوثنية والشرك لما بعث الله فيها من الأنبياء الدعاة إلى التوحيد، وجعلها مسكنًا لهم وللمؤمنين، وإنَّما سميت مطهرة؛ لسكنى الأنبياء المطهرين فيها، فشرفت وطهرت بهم، فالظرف طاب بالمظروف، إنْ قلت: إنَّ الجبارين كانوا فيها، وهم غير مطهرين؛ أجيب بأنَّ الخير يغلب الشر، والنور يغلب الظلمة. وروى ابن عساكر عن معاذ بن جبل: إنَّ الأرض المقدسة ما بين العريش إلى الفرات، وبعضهم يسمي القسم الشمالي من هذا القطر باسم سورية، والباقي باسم فلسطين أو بلاد المقدس، أو الأرض المقدسة، أو أرض الميعاد؛ لأنَّ الله تعالى وعد بها ذرية إبراهيم، ويدخل فيما وعد الله به إبراهيم الحجاز وما جاوره من بلاد العرب. وقيل: معنى المقدسة المباركة؛ لكثرة خيراتها ونباتها وأشجارها {الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ}؛ أي: التي قسمها وقدرها لكم في سابق علمه، وجعلها مسكنًا لكم. فإنْ (٢) قلت كيف الجمع بين الكتابة التي تفيد تحتم الدخول وبين قوله: {فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً}؟.

قلت: إنَّ المراد بالكتب الأمر بالدخول، أو بأن معنى قوله: {كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ}؛ أي: قدرها لكم في اللوح المحفوظ إنْ لم تقع منكم مخالفة، وقد وقعت فحرمت عليهم أربعين سنة، فهو قضاء معلق.

وقيل معنى: (٣) {كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ}؛ أي: وهبها الله لكم ميراثًا من أبيكم إبراهيم عليه السلام. روي أن إبراهيم عليه السلام لما صعد جبل لبنان قال الله سبحانه وتعالى له: "انظر فما أدركه بصرك .. فهو مقدس وهو ميراث لذريتك" وكان بنو إسرائيل يسمون أرض الشام أرض الموعد. قال ابن عباس: الأرض هي الطور وما حوله. وقرأ ابن محيصن هنا وفي جميع القرآن: {يا قومُ} مضموم الميم ويروى قراءة عن ابن كثير، ووجهها أنها لغة في المضاف لياء المتكلم كقراءة: {قال رب احكم بالحق}. وقرأ ابن السميقع: {يا قومي ادخلوا} بفتح الياء؛ لأنَّه منادى مضاف لياء المتكلم، قال ابن مالك:


(١) المراغي.
(٢) صاوى.
(٣) المراح.