للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يصف نفسه بالعلم الفائق، وإن كان كذلك، بل جعل نفسه في صورة رفيق له في مسير يكون أعرف، وذلك من باب البِرِّ والرفق واللطف.

والمعنى: أي (١) يا أبي إني وإن كنت من صلبك، وتراني أصغر منك، لأني ولدك، فاعلم أني قد اطلعت من العلم ما لم تعلمه أنت، ولا اطلعت عليه، فاتبعني أهدك طريقًا مستقيمًا لا زيغ فيه، يوصلك إلى نيل المطلوب، وينجيك من كلّ مرهوب.

وفي قوله: {قَدْ جَاءَنِي} إيماء إلى أن هذه المحاورة كانت بعد أن نبىء، ولم يعين ما جاءه ليشمل كل ما يوصله إلى الجنة ونعيمها، ويبعد به عن النار وعذابها.

٤٤ - {يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ} فإن عبادتك للأصنام عبادة له، إذ هو الذي يزينها لك، ويغريك عليها، ثم علل ذلك بقوله: {إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا}؛ أي: عاصيًا له، مخالفًا لأمره، حين ترك ما أمره به من السجود لآدم، ومن أطاع من هو عاص لله سبحانه .. فهو عاص لله، ومعلوم أن طاعة العاصي تورث النقم، وتسلب النعم والتعرض (٢) لعنوان الرحمانية لإظهار كمال شناعة عصيانه، قال الكسائي: العصي والعاص بمعنى واحد،

٤٥ - ثم بين له الباعث على هذه النصائح فقال: {يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ} إن مت على ما أنت عليه من متابعة الشيطان، وعصيان الرحمن {أَنْ يَمَسَّكَ} ويصيبك {عَذَابٌ} كائن {مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ} يا أبي {لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا}؛ أي: مقارنًا له في اللعن المخلد، والعذاب المؤبد، أو قريبًا منه في النار، تليه ويليك من الولي وهو القرب، قال الفراء (٣): معنى {أخاف} هنا: أعلم، وقال الأكثرون، إن الخوف هنا محمول على ظاهره؛ لأن إبراهيم غير جازم بموت أبيه على الكفر، إذ لو كان جازمًا بذلك لم يشتغل بنصحه، ومعنى الخوف على الغير هو: أن يظن وصول الضرر إلى ذلك الغير.


(١) المراغي.
(٢) روح البيان.
(٣) الشوكاني.