للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يؤمنون بهذا الكتاب، والحال أنهم يحافظون ويداومون على صلاتهم، فيؤدونها في أوقاتها، ويقيمون أركانها وآدابها، وخصت الصلاة بالذكر من بين سائر العبادات؛ لأنها عماد الدين ورأس العبادات بعد الإيمان بالله، فلم يقع اسم الإيمان على شيء من العبادات الظاهرة إلا على الصلاة. قال تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ}؛ أي: صلاتكم، ولم يقع اسم الكفر على شيء من المعاصي إلا على ترك الصلاة.

قال - صلى الله عليه وسلم -: "من ترك الصلاة متعمدًا .. فقد كفر". ولأن المحافظة عليها تدعو إلى القيام بسائر العبادات المفروضة، وترك الفحشاء وجميع المحرمات، ومحاسبة النفس على لذاتها وشهواتها.

وقرأ الجمهور (١): {عَلَى صَلَاتِهِمْ} بالإفراد، والمراد به الجنس، وروى خلف عن يحيى عن أبي بكر: {صلواتهم} بالجمع، ذكر ذلك أبو علي الحسن بن محمَّد بن إبراهيم البغدادي في كتاب "الروضة" من تأليفه، وقال: تفرد بذلك عن جميع الناس.

٩٣ - والاستفهام في قوله: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} للإنكار بمعنى النفي. وهذه (٢) الجملة مقررة لمضمون ما تقدم من الاحتجاج عليهم بأن الله أنزل الكتاب على رسله؛ أي: كيف تقولون: ما أنزل الله على بشر من شيء، وذلك يستلزم تكذيب الأنبياء عليهم السلام، ولا أحد أشد ظلمًا، وأعظم جرمًا ممن اختلق على الله كذبًا. وكذب على الله في شيء من الأشياء، كالذين قالوا: ما أنزل الله على بشر من شيء، أو جعل لله شريكًا أو ولدًا أو صاحبة. {أَوْ} ممن {قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ} من الله شيء {و} الحال أنه {لم يوح إليه شيء} من الله، كمسيلمة الكذاب الذي ادَّعى النبوة باليمامة، والأسود العنسي الذي ادَّعى النبوة باليمن، وطليحة الأسدي الذي ادَّعى النبوة في بني أسد، ونحوهم من كل من ادعى ذلك، أو يدعيه في أي زمان كان. {وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ} إليك؛


(١) البحر المحيط.
(٢) الشوكاني.