أي: ومن أظلم ممن ادَّعى أنه قادر على إنزال مثل ما أنزل الله على رسوله، كمن قال من المشركين:{لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا}، فقد أُثر عن النضر بن الحارث أنه كان يقول: إن القرآن أساطير الأولين، وإنه شعر لو نشاء لقلنا مثله.
ثم ذكر سبحانه وتعالى وعيده للظالمين لشدة جرمهم، وعظيم ذنبهم، فقال:{وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ}؛ أي: ولو تبصر يا محمَّد، أو أيها المخاطب، إذ يكون الظالمون سواءٌ كانوا ممن ذكر في الآية، أو من غيرهم {فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ} وسكراته، وما يتقدمها من شدائد وآلام تحيط بهم، كما تحيط غمرات الماء الغرقى، وجواب {لو} محذوف تقديره: لرأيت ما لا سبيل إلى وصفه، ولا قدرة للبيان على تجلي كنهه وحقيقته {وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ}؛ أي والحال أن ملائكة الموت باسطوا أيديهم ومادوها إليهم؛ لقبض أرواحهم الخبيثة بالعنف والضرب، كما قال:{فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ}.
ثم حكى سبحانه وتعالى أمر الملائكة لهم على سبيل التهكم والتوبيخ حين بسط أيديهم لقبض أرواحهم {أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ}؛ أي: حالة كون الملائكة قائلين لهم: أخرجوا أنفسكم من هذه الشدائد، وخلصوها من هذه الآلام، أو أخرجوها من أبدانكم لنقبضها. قال صاحب "الكشاف": هذا (١) تمثيل لفعل الملائكة في قبض أرواح الظلمة بفعل الغريم الملح، يبسط يده إلى من له عليه الحق ليعنف عليه في المطالبة، ولا يمهله، ويقول له: أخرج ما لي عليك الساعة، ولا أريم - لا أبرح - مكاني حتى أنزعه من أحداقك. انتهى.
ويرى بعضهم أنه لا داعي للعدول عن الحقيقة إلى التمثيل، فربما تمثل الملائكة للبشر بمثل صورهم، وتخاطبهم بمثل كلامهم، فهي إذًا ممكنة على الحقيقة، فلا معدل عنها. وحالة كون الملائكة قائلين لهم وقت الموت:{الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ}؛ أي: في هذا اليوم الذي تقبض فيه أرواحكم، تجزون وتلقون عذاب الذل والخزي والإهانة جزاء ظلمكم لأنفسكم.