للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

في كل ذلك .. لرأوا آثار قدرته وعلمه وفضله ورحمته، وأنّه لم يخلق شيئا من ذلك عبثا، ولا ترك الناس سدى، إنّ كل ذرة فيهما لدليل لائح على الصانع المجيد، وسبيل واضح إلى التوحيد.

وفي كلّ شيء له آية ... تدلّ على أنّه الواحد

إنهم لو نظروا في شيء من ملكوت السموات والأرض .. لاهتدوا بدلائله إلى تصديق الرسول صلى الله عليه وسلّم وقوله: {وَأَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ} معطوف (١) على {مَلَكُوتِ السَّماواتِ} و {أَنْ} مصدرية أو مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن، وكذا اسم {يَكُونَ} ضمير الشأن، والمعنى: أو لم ينظروا في اقتراب آجالهم، وتوقع حلولها، فيسارعون إلى طلب الحق، والتوجه إلى ما ينجيهم قبل مغافصة (٢) الموت، ونزول العذاب، فإنهم لو نظروا في توقع قرب آجالهم وقدومهم على ربهم بسوء عملهم .. لاحتاطوا لأنفسهم، ورأوا أنّ من الحكمة أن يقبلوا إنذاره صلى الله عليه وسلّم لهم، فما جاءهم به لا ينكرون أنّه خير لهم في الدنيا، وخير لهم في الآخرة إذا صدق ما يقرره من أمر البعث والجزاء، وهو صدق وحق لا شك فيه.

{فَبِأَيِّ حَدِيثٍ} وكتاب {بَعْدَهُ}؛ أي: بعد القرآن {يُؤْمِنُونَ}؛ أي: يصدقون إن لم يؤمنوا به، وهو أكمل كتب الله تعالى بيانا، وأقواها برهانا، فمن لم يؤمن به .. فلا مطمع في إيمانه بغيره، وقوله: {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ} متعلق بـ {يُؤْمِنُونَ} وهي جملة استفهامية سيقت للعجب؛ أي: إذا لم يؤمنوا بهذا الحديث .. فكيف يؤمنون بغيره.

والمعنى (٣): فبأي كتاب بعد الكتاب الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلّم يصدقون إن لم يصدقوا به، وليس بعد محمد نبي، ولا بعد كتابه كتاب؛ لأنّه خاتم الأنبياء، وكتابه آخر الكتب لانقطاع الوحي بعد محمد صلى الله عليه وسلّم؟

١٨٦ - ثم ذكر علة إعراضهم عن الإيمان فقال: {مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ}؛ أي: من يرد الله سبحانه وتعالى إضلاله عن الحق والصواب: {فَلا هادِيَ لَهُ}؛ أي: فلا مرشد له إلى الحق، فإنّ إعراضهم


(١) البيضاوي.
(٢) مغافصة الموت: مفاجئة الموت.
(٣) الخازن.