للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

عن الإيمان لإضلال الله إياهم؛ أي: إن الله تعالى قد جعل هذا الكتاب أعظم أسباب الهداية للمتقين لا للجاحدين المعاندين، وجعل الرسول المبلغ له أقوى الرسل برهانا، وأكملهم عقلا وأجملهم أخلاقا، فمن فقد الاستعداد للإيمان بهذا الكتاب وهذا الرسول .. فهو الذي أضله الله؛ أي: هو الذي قضت سنته في خلق الإنسان، وارتباط أعماله بأسباب تترتب عليها مسبباتها، بأن يكون ضالا راسخا في الضلال، وإذا كان ضلاله بمقتضى تلك السنن .. فمن يهديه من بعد الله؟ ولا قدرة لأحد من خلقه على تغيير تلك السنن وتبديلها {وَيَذَرُهُمْ}؛ أي: وهو سبحانه وتعالى يذر هؤلاء الضالين ويتركهم {فِي طُغْيانِهِمْ} وضلالهم {يَعْمَهُونَ}؛ أي: يتحيرون يترددون حيرة، ولا يهتدون سبيلا للخروج مما هم فيه، بما كسبت أيديهم من الطغيان، وتجاوز الحد في الظلم والفجور.

والخلاصة (١): أنّه ليس معنى إضلال الله لهم أنّه أجبرهم على الضلال وأعجزهم بقدرته عن الهدى، فكان ضلالهم جبرا لا اختيارا، بل المراد أنّهم لما مرنت قلوبهم على الكفر والضلال، وأسرفوا فيهما حتى وصلوا إلى حد العمه في الطغيان .. فقدوا بهذه الأعمال الاختيارية ما يضادها من الهدى والإيمان، فأصبحت نفوسهم لا تستنير بالهدى، وقلوبهم لا ترعوي لدى الذكرى {كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (١٤)}.

وقرأ الحسن (٢) وقتادة وأبو عبد الرحمن وأبو جعفر والأعرج وشيبة ونافع وابن كثير وابن عامر: {وَنَذَرُهُمْ} بالنون ورفع الراء، وأبو عمرو وعاصم: بالياء ورفع الراء، وهو استئناف إخبار قطع أو أضمر قبله نحن، فيكون جملة اسمية، وقرأ ابن مصرف والأعمش والأخوان - حمزة والكسائي - وأبو عمرو فيما ذكر أبو حاتم: بالياء والجزم، وروى خارجة عن نافع: بالنون والجزم، وخرج سكون الراء على وجهين:

أحدهما: أنّه سكن لتوالي الحركات، كقراءة: {وما يشعركم وينصركم} فهو مرفوع.


(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.