تعالى، ونجَّاني منها، فجعَلْتُ على نفسي أنْ أعبد الله تعالى ههنا إلى الموت، وقد أنْبَتَ اللَّهُ لي شجَرةُ رُمَّانٍ، وأَظْهَرَ عَيْنَ ماء، آكُل من الرمان وأشرب من ماء العَينِ، وأتوضَّأ منه، فذهب صالح، وانتهى إلى قريةٍ كان أهلها كفارًا كُلُّهم غَيْر أخَوين مُسْلِمَين، يعملان عملَ الخَوص - فضَرَبَ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - مثَلًا فقال: لو أن مؤمنًا دَخَلَ قريةً فيها ألف رجل، كلهم كفارٌ، وفيهم مؤمنٌ واحد، فلا يسكن قلبه مع أحدٍ حتى يجد المؤمنَ، ولو أنَّ منافقًا دَخَل قرية فيها ألفُ رجل كلهم مؤمنون، وفيهم منافق واحد .. فلا يسكُن قَلْبُ المنافق مع أحد ما لم يجد المنافقَ - فدَخَل صالح، وانتهى إلى الأَخوين، فَمَكَثَ عِندهما أيامًا، وسألَ عن حالهما فأخبرا أنهما يصبران على أذى المشركين، وأنهما يعملان عملَ الخوص، ويمسكان قُوتَهُما، ويتصدَّقان بالفَضْلِ، فقال صالح: الحمد لله الذي أرَاني في الأرض منْ عبادِهِ الصالحين، الذين صَبَرُوا على أذَى الكفار، فأنا أرْجِعُ إلى قومي، وأصبرُ على أذاهم، فرجع إليهم، وقد كانوا خرجوا إلى عيد لهم، فدَعَاهم إلى الإيمان, فسألوه آيةً، فقال: أَيَّة آية تريدون؟ فأشارَ سيِّدهم جندع بن عَمرو إلى صخرة منفردة، يقال لها: الكَاثِبةُ، وقال له: أخْرِجْ من هذه الصخرة ناقةً واسعةَ الجوف كثيرةَ الوبر عشراء؛ أي: أتت عليها من يوم أرْسَل الفحل عليها عشرة أشهر، فإن فَعَلْتَ صَدَّقْنَاكَ، فأخذ عليهم مواثقَهم لئنْ فعلت ذلك لتؤمِنُنَّ فقالوا: نَعَمْ فصَلَّى، ودَعا ربه، فتمخضت الصخرةُ تمخض النتوج بولدها، فانشقَّتْ عن ناقة عشراء جَوْفَاء، وبراء كما وصفوا فقال:{وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ} فكانت تَرْعَى الشجرةَ، وتشرب الماءَ ثم تفرِّج بين رجليها، فيحلبون ما شاؤوا، حتى تَمْتَلِىءَ أوانيهم، فيشربون ويَدَّخِرُون، وهم تسع مئة أهل بيت، وقيل: ألْفٌ وخَمسُ مئة، ثُمَّ إنه عليه السلام لمَّا خَافَ عليها منهم قال: ولا تمسُّوها بسوء، فيأخُذَكم عذاب قريب، فعقروها، أي: عقرها قُدَارُ - بوزن غراب - بن سالف فقال: تمتَّعُوا في داركم ثَلاثَةَ أيام ذلك وَعْدُ غيرُ مكذوب.
٦٦ - ثُمَّ ذَكَرَ وقوعَ ما أوعِدوا به، فقال:{فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا}؛ أي: جَاءَ ثمودَ