للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

عذابنَا، {نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ} والظرف (١) متعلق بـ {نَجَّيْنَا} أو بـ {آمَنُوا}، وهو الأظهر؛ إذ المراد {آمَنُوا} كما {آمن} صالحٌ، واتبعوه في ذلك، لا أنَّ أزمانَ إيمانهم مقارن لزمان إيمانه، فإن إيمان الرسول مقدَّم على إيمان من اتبعه من المؤمنين {بِرَحْمَةٍ}؛ أي: متلبسينَ بمجرد رحمة عظيمة {مِنَّا}، وفضل لا بأعمالهم، كما هو مذهبُ أهل السنة، وهِيَ بالنسبة إلى صالح: النبوة، وبالنسبة إلى المؤمنين الإيمان {وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ} عطف على {نجينا}؛ أي: ونجيناهم من خزي يومئذ؛ أي: من ذلته ومَهَانته وفَضِيحَته، ولا خِزْيَ أعظم من خزي من كان هلاكه بغضب الله وانتقامه وكرر نَجَّيْنَا لبيان مَا نَجَّاهُم منه، وهو هلاكُهم يومئذ؛ أي: يَوْم، إذ جاء أمرنا فإنَّ إذ مضافة إلى جملة محذوفة، عوِّض عنها التنوين؛ أي: ونجيناهم من عذاب يوم إذ جاء أمرنا وعذابُنا. قيل (٢): الواوُ زائدة في {وَمِنْ خِزْيِ}؛ أي: من خزي يومئذ فيتعلَّق من بِنَجَّيْنا، وهذا لا يجوز عند البصريين, لأن الواو لا تزاد عندهم، بل تتعلق (من) بمحذوف؛ أي: ونجيناهم من خِزْيِ؛ أي: وكانت التنجية من خزي يومئذ، ولكون الإخبار بتنجية الأولياء، لا سيما عند الإنباء بحُلول العذاب أهم ذَكَرَها أولًا، ثم أخْبَر بهلاك الأعداء، وقَرَأ طلحةُ وَأبانُ بن تغلب، {ومن خزيٍ} بالتنوين، ونصب (يومَئذ) على الظرف معمولًا لخزي، وقرأ الجمهور بالإضافة، وفَتَح المِيمَ الكسائي ونافع في رواية ورش وقالون هنا وفي المعارج، وهيَ فتحة بناءٍ لإضافته إلى إذ، وهو غيرُ متمكن، وقرأ باقي السبعة بكسر الميم فيهما، وهي حركة إعراب، والتنوين في إذ تنوين عوض من الجملة المحذوفة المتقدمة الذكر؛ أي: ومن فضيحة يوم إذ جاء الأمر، وحَلَّ بهم، فلما قطِعَ المضاف إليه عن إذْ نُوِّنَ؛ ليدلَّ التنوين على ذلك، ثم كسرت الذال لسكونها، وسكون التنوين، ولم يلزم من إضافة يوم إلى المبني، أن يكون مبنيًّا؛ لأنَّ هذه الإضافة غيرُ لازمة.

ثم بين عظيم قدرته على التنكيل بأمثالهم من المشركين، فقال: {إِنَّ رَبَّكَ} يا محمَّد الذي فَعَلَ هذا بقوم صالح، {هُوَ الْقَوِيُّ}؛ أي: القادر على أنْ


(١) روح البيان.
(٢) البحر المحيط والمراح.