من يوحي فقيل: يوحي الله العزيز الحكيم، أو على الابتداء، والتقدير: الله العزيز الحكيم هو الموحي. وعلى قراءة النون يكون قوله: الله العزيز الحكيم، في محل النصب، والمعنى عليه: نوحي إليك هذا اللفظ.
والمعنى (١): أي بمثل ما في هذه السورة من الدعوة إلى التوحيد، والنبوة والإيمان باليوم الآخر، وتجميل النفس بفاضل الأخلاق، وتبعيدها عن رذائل الأخلاق، والعمل على سعادة المرء والمجتمع، يوحي إليك الله العزيز في ملكه الغالب بقهره، الحكيم بصنعه المصيب في قوله وفعله، كما أوحي إلى الأنبياء بمثله من قبلك.
وسيأتي تفصيل هذا في سورة {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (١)}، فقد ذكر في أولها التوحيد، وفي وسطها النبوة، وفي آخرها المعاد، ثم قال: {إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى (١٨) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى (١٩)}. أي: إن المقصود من إنزال جميع الكتب الإلهية، ليس إلا هذه المطالب الثلاثة العالية، التي لا تتم السعادة إلا بها، ولا الفوز بالنعيم في الدارين إلا بسلوكها.
٤ - ثم بيّن سبحانه عظمته وكبرياءه وحكمته فقال:{لَهُ} سبحانه لا لغيره {مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ}؛ أي: إن الله سبحانه وتعالى يختص به جميع ما في العوالم العلوية والسفلية، خلقًا وملكًا وعلمًا، ذكر سبحانه هذا الوصف لنفسه، وهو ملك جميع ما في السموات والأرض لدلالته على كمال قدرته، ونفوذ تصرفه في جميع مخلوقاته {وَهُوَ} سبحانه وتعالى {الْعَلِيُّ}؛ أي: الرفيع الشأن {الْعَظِيمُ} الملك والقدرة والحكمة، أو هو العلي؛ أي: المرتفع عن مدارك العقول، إذ ليس كذاته ذات، ولا كصفاته صفات، ولا كاسمه اسم، ولا كفعله فعل، وهو العظيم الذي يصغر عند ذكره وصف كل شيء سواه، والعظيم من العباد، الأنبياء والعلماء الوارثون لهم، فالنبي عظيم في حق أمته، والأستاذ عظيم في حق تلميذه، وإنما العظيم المطلق، هو الله سبحانه وتعالى.