للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

{فَانْظُرْ} يا محمد بعين قلبك {كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ}؛ أي: كيف كان آخر أمر المشركين، حتى صاروا إلى الهلاك، وبيِّنه لقومك، ليعتبروا به، فإنك منصور عليهم.

وفي هذا (١): ما لا يخفى من الدلالة على عظم شأن الخالق وكبريائه وسلطانه، وشديد احتقاره لفرعون وقومه، واستقلاله لهم، وإن كانوا عددًا كثيرًا وجمًّا غفيرًا، فما مثلهم إلا مثل حصيات صغار قذفها الرامي من يده في البحر.

ثم أمر رسوله - صلى الله عليه وسلم - وقومه بالنظر والاعتبار، والتأمل في العواقب، ليعلموا أن هذه سنة الله في كل مكذب برسله، حيث قال: {فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ}؛ أي: فانظر أيها المعتبر بالآيات كيف كان أمر هؤلاء الذين ظلموا أنفسهم، وكفروا بربهم، وردوا على رسوله نصيحته، ألم نهلكهم، ونورث ديارهم وأموالهم أولياءنا، ونخوِّلهم ما كان لهم من جنات وعيون، وكنوز ومقام كريم، بعد أن كانوا مستضعفين، تُقتَّل أبناؤهم، وتُستحيا نساؤهم، وإنا بك وبمن آمن بك فاعلون، فمخوِّلوك واياهم ديار من كذبك وردَّ عليك ما أتيتهم به من الحق وأموالهم، بعد أن تستأصلوهم قتلًا بالسيف، سنة الله سبحانه في الذين خلوا من قبله.

٤١ - ثم ذكر ما يوجب سوء عاقبتهم وعذابهم في النار، فقال: {وَجَعَلْنَاهُمْ}؛ أي: صيَّرنا فرعون وقومه في عهدهم {أَئِمَّةً}؛ أي (٢): رؤساء، وقرأ أبو عمرو ونافع وابن كثير أيمة بإبدال الهمزة الثانية ياء، {يَدْعُونَ} الناس {إِلَى النَّارِ}؛ أي: إلى ما يؤدي إليها من الكفر والمعاصي؛ أي: جعلناهم قدوة يقتدي بهم أهل الضلال والفساد، فيكون عليهم وزرهم، ووزر من تبعهم، فكأنهم بإصرارهم على الكفر والتمادي فيه يدعون أتباعهم إلى النار؛ لأنهم اقتدوا بهم، وسلكوا طريقتهم تقليدًا لهم.


(١) المراغي.
(٢) روح البيان.