للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الملائكة؟ قال: ويلك، وأنى تعادل الملائكة الذين آمنوا وعملوا الصالحات، وقيل: هؤلاء خير البرية في عصره - صلى الله عليه وسلم -، ولا يبعد أن يكون في مؤمن الأمم السابقة من هو خير منهم.

وقرأ الجمهور: {خَيْرُ الْبَرِيَّةِ} مقابل {شَرُّ الْبَرِيَّةِ}، وقرأ حميد وعامر بن عبد الواحد: {خيار البرية} جمع خَيِّر، كجيّد وجياد. ذكره في "البحر".

٨ - {جَزَاؤُهُمْ}؛ أي: ثوابهم بمقابلة ما وقع لهم من الإيمان والعمل الصالح، وهو مبتدأ {عِنْدَ رَبِّهِمْ}؛ أي: عند خالقهم ظرف للجزاء {جَنَّاتُ عَدْنٍ}؛ أي: دخول جنات عدن، وهو خبر للمبتدأ، والعدن الإقامة والدوام، وقال ابن مسعود - رضي الله عنه -: {عَدْنٍ} بطنان الجنة؛ أي: وسطها، والمراد بـ {جَنَّاتُ عَدْنٍ} أوسط الجنات وأفضلها، يقال: عدن بالمكان يعدن عدنًا إذا أقام، ومعدن الشيء مركزه ومستقره {تَجْرِي} وتسيل {مِنْ تَحْتِهَا}؛ أي: من تحت أشجارها وقصورها {الْأَنْهَارُ} الأربعة: الماء واللبن والخمر والعسل، وفي "الإرشاد": إن أريد بالجنات الأشجار الملتفة الأغصان، كما هو الظاهر فجريان الأنهار من تحتها فظاهر وإن أريد بها مجموع الأرض وما عليها، فهو باعتبار الجزء الظاهر وأيًا ما كان، فالمراد: جريانها بغير أخدود.

وجمع {جَنَّاتُ} (١) يدل على أن للمكلف جنات، كما يدل عليه قوله تعالى: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (٤٦) ثم قال: {وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ (٦٢)} فذكر للواحد أربع جنات، والسبب فيه أنه بكى من خوف الله تعالى، وذلك البكاء إنما نزل من أربعة أجفان.

وقيل: إنه تعالى قابل الجمع بالجمع في قوله: {جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ} وهو يقتضي مقابلة الفرد بالفرد، فيكون لكل مكلف جنة واحدة، لكن أدنى تلك الجنات مثل الدنيا بما فيها عشر مرات كذا روي مرفوعًا، ويدل عليه قوله تعالى: {وَمُلْكًا كَبِيرًا} والألف واللام في الأنهار للتعريف، فتكون منصرفة إلى الأنهار الأربعة المذكورة في القرآن، وهي نهر الماء ونهر اللبن ونهر العسل ونهر الخمر، وفي


(١) روح البيان.