للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أي: هل أنتم تخلدون في الدنيا. قال أبو حيان: الظاهر (١) أن {لعل} على بابها من الرجاء وكأنه تعليل للبناء والاتخاذ؛ أي: الحامل لكم على ذلك هو الرجاء للخلود، ولا خلود. وفي قراءة عبد الله {كي تخلدون}، وفي حرف أبي: {كأنكم تخلدون}، وقرىء {كأنكم خالدون}. وقرأ الجمهور {تخلدون} مبنيًا للفاعل، وقتادة مبنيًا للمفعول، وقرأ أبي وعلقمة وأبو العالية مبنيًا للمفعول مشددًا ومخففًا مع ضم التاء.

١٣٠ - {وَإِذَا بَطَشْتُمْ}؛ أي: إذا أخذتم بالعقوبة على أحد بأن ضربتم أحدًا بسوط، أو قتلتم بالسيف {بَطَشْتُمْ}؛ أي: فعلتم ذلك حالة كونكم {جَبَّارِينَ}؛ أي: متسلطين ظالمين بلا رأفة ولا قصد تأديب، ولا نظر في العاقبة، فأما بالحق والعدل فالبطش جائز، والجبار الذي يضرب ويقتل على الغضب، وهو مذموم في وصف البشر.

والحاصل (٢): أنهم أحبوا العُلُوَّ وبقاء العُلُوِّ، والتفرد بالعلوِ، وكل ذلك ينبه على أن من حب الدينار رأس كل خطيئة، وعنوان كل معصية.

والخلاصة: إذا ضربتم .. ضربتم بالسياط ضرب الجبارين، وإذا عاقبتم قتلتم بلا استحقاق؛ أي: إنكم قوم قساة غلاظ الأكباد ذووا جبروت وعتو، فإذا عاقبتم عاقبتم دون شفقة ولا رأفة، وخلاصة ما قال: إن أفعالكم تدل على حب الدنيا، وعلى الكبرياء والتسلط على الناس بجبروت وعسف.

١٣١ - ثم لما وصفهم بهذه الأوصاف القبيحة الدالة على الظلم والعتو والتمر والتجبر .. أمرهم بالتقوى، فقال: {فَاتَّقُوا اللَّهَ} سبحانه وتعالى؛ أي: خافوا عقاب الله سبحانه، واتركوا هذه الأفعال الذميمة من بناء الأبنية العالية، واتخاذ الأمكنة الشريفة، وإسراف المال في الحياض والرياض، والبطش بغير حق {وأطيعونـ} ـي فيما أدعوكم إليه من التوحيد والعدل والإنصاف، وترك الأمل ونحوها، فإنه أنفع لكم وأجدى.


(١) البحر المحيط.
(٢) المراح.