على الآخر، فمن وافق كتابه ما أمر به من كتاب ربه نجا، ومن خالفه هلك، وكان من الأخسرين أعمالًا {الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (١٠٤)} ونحو الآية قوله: {وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ}.
وفيه إشارة (١) إلى عجز العباد، وأن لا حول ولا قوة لهم فيما كتب الله لهم في الأزل، وأنهم لا يصيبهم في الدنيا والآخرة إلا ما كتب الله لهم على مقتضى أعيانهم الثابتة، فلا يجرون في الأفعال إلا على القضاء، وقرأ يعقوب {كل أمة تدعى} بنصب كل أمة على البدل، بدل النكرة الموصوفة من النكرة، وأفرد كتابها اكتفاءً باسم الجنس لقوله:{وَوُضِعَ الْكِتَابُ}.
ثم ذكر أنهم ينذرون ويبشرون بما سيبنى عليه حكم القضاء {الْيَوْمِ} معمول لقوله: {تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}؛ أي: ويقال لهم حال دعائهم إلى كتابهم: اليوم تجازون بأعمالكم التي عملتموها في الدنيا خيرها وشرها، فمن كان عمله الإيمان والطاعة، جزاه الله بالجنة، ومن كان عمله الشرك والعصيان، جزاه بالنار كما قال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا كان يوم القيامة جاء الإيمان والشرك، فيجثيان بين يدي الرب تعالى، فيقول الله للإيمان، انطلق أنت وأهلك إلى الجنة، ويقول للشرك انطلق أنت وأهلك إلى النار".
٢٩ - وقوله:{هَذَا كِتَابُنَا} إلخ، من تمام ما يقال لهم حينئذ، ولما كان كتاب كل أمة مكتوبًا بأمر الله، أضيف إلى نون العظمة تفخيمًا لشأنه، وتهويلًا لأمره، وإلا فالظاهر: أن يضاف إلى الأمة بأن يقال: هذا كتابها كما فيما قبلها. وعبارة "فتح الرحمن" هنا: فإن قلت: كيف أضاف الكتاب إلى الأمة ثم أضافه إليه تعالى في قوله: {هَذَا كِتَابُنَا}؟
قلت: الإضافة تحصل بأدنى ملابسة، فأضافه إلى الأمة لكون أعمالهم مثبتة فيه، وأضاف إليه تعالى لكونه مالكه، وآمر ملائكته بكتابته؛ أي: هذا الكتاب الذي تدعون إليه كتابنا؛ أي: كتاب حفظتنا الذي كتبته عليكم في الدنيا، ودونت