والجملة تعليل لما قبلها مع ما تضمنه من الوعيد الشديد. واعلم أنّ الكافر يتوهم أن عمله حسن، كما قال تعالى:{وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا}، ثمّ الراغب في الدنيا يجمع حلالها وحرامها, ولا يتفكّر في زوالها, ولا في ارتحاله عنها قبل كمالها، فقد زيّن له سوء عمله.
والمعنى: أي فلا تأسف على عدم إيمانهم وعدم إجابتهم دعوتك، فإنّ الله حكيم في قدره، فهو يضل من يضل من عباده، ويهدي من يشاء، لما في ذلك من الحجة البالغة، والعلم التام باستعداد النفوس؛ إما بإخباتها لربها، وإنابتها إليه، وميلها إلى صالح العمل، وإما بتدسيتها وحبها لاجتراح السيئات، وارتكاب الموبقات، ونحو الآية قوله: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا (٦)}، ثمّ هدّد الكافرين على قبيح أعمالهم، فقال:{إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ}؛ أي: إن الله عليم بما يصنعون من القبائح، فيجازيهم عليه بما يستحقون، وفي هذا وعيد تهد منه الجبال، وتدك منه الأرض دكًا.
وقرأ الجمهور (١): {فمن زين} مبنيًا للمفعول {سُوءُ} بالرفع، وقرأ عبيد بن عمير:{زين له سوء} مبنيًا للفاعل، ونصب {سوء}، وعنه أيضًا:{أسوأ} على وزن أفعل منصوبًا، وأسوأ عمله هو الشرك، وقرأ طلحة:{أمن زين له سوء عمله} بغير فاء. قال صاحب "اللوامح": للاستخبار بمعنى العامة للتقرير، ويجوز أن يكون بمعنى: حرف النداء، فحذف التمام كما حذف من المشهور الجواب انتهى، ومعنى بالجواب: خبر المبتدأ، وبالتمام: ما يؤدي لأجله؛ أي: يا من زين له سوء عمله تفكر وارجع إلى الله، فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء. وقرأ الجمهور:{فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ} مبنيًا للفاعل من ذهب، و {نَفْسُكَ} فاعل. وقرأ أبو جعفر وقتادة وعيسى والأشهب وشيبة وأبو حيوة وحميد والأعمش وابن محيصن:{تُذْهِبْ} من أذهب مسندًا لضمير المخاطب {نَفْسُكَ} بالنصب، ورويت عن نافع.
٩ - ثم أخبر سبحانه عن نوع من أنواع بديع صنعه، وعظيم قدرته؛ ليتفكّروا في