للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

مأمورًا بتبليغ أحكامه لمجنون؛ أي: مسلوب العقل، فإنه لا يدَّعي مثل هذه الدعوى العظيمة عندهم من كان عاقلًا، فقولهم هذا لمحمد - صلى الله عليه وسلم - هو كقول فرعون: {إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ}، وإنما نسبوه (١) إلى الجنون لأنه - صلى الله عليه وسلم - كان يظهر منه عند نزول الوحي عليه ما يشبه الغشي، فظنوا أن ذلك جنون، فلهذا السبب نسبوه إلى الجنون، وقيل: إن الرجل إذا سمع كلامًا مستغربًا من غيره .. فربما نسبه إلى الجنون، ولما كانوا يستبعدون كونه رسولًا من عند الله، وأتى بهذا القرآن العظيم .. أنكروه، ونسبوه إلى الجنون، وإنما قالوا: {يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ} على طريق الاستهزاء، وقيل: معناه يا أيها الذي نزل عليه الذكر في زعمه واعتقاده، واعتقاد أصحابه وأتباعه، إنك لمجنون في ادعائك الرسالة، وقرأ (٢) زيد بن علي: {نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ} ماضيًا مخففًا مبنيًّا للفاعل، وقرأ: {يا أيها الذي أُلقي إليه الذكرُ} وينبغي أن تجعل هذه القراءة تفسيرًا؛ لأنها مخالفة لسواد المصحف.

والمعنى: أي وقالوا استهزاء وتهكمًا: يا أيها الرجل الذي زعم أنه نزل عليه القرآن إن ما تقوله أملاه عليك الجنون، وليس له معنى معقول، وهو مخالف لآرائنا، بعيد من معتقداتنا، فكيف نقبل ما لا تقبله العقول، ولا ترضاه الفحول من رجالاتنا الفخام، وعشائرنا العظام.

٧ - {لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ} {لَوْ مَا}: حرف (٣) تحضيض بمعنى هلَّا، مركب من (لو) المفيدة للتمني، ومن (ما) المزيدة، فأفاد المجموع الحث على الفعل الداخلةُ هي عليه.

والمعنى: هلا تأتينا بالملائكة ليشهدوا على صدقك، ويعضدوك على إنذارك، وقيل: المعنى لو ما تأتينا بالملائكة فيعاقبونا على تكذيبنا لك، كما أتت الأمم المكذبة لرسلهم، {إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} في دعواك الرسالة، فإن قدرة الله على ذلك مما لا ريب فيه، وكذا احتياجك إليه في تمشية أمرك؛ أي: إن كان (٤) ما تدعيه حقًّا وقد أيدك الله، وأرسلك .. فما منعك أن تسأله أن ينزل


(١) الخازن.
(٢) البحر المحيط.
(٣) الشوكاني.
(٤) المراغي.