{مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} وهو أقصى ما يمكن أن يرى منه. قيل: من المشرق إلى المغرب وهي خمس مئة عام. وفيه إشارة إلى أن بعدما بينها وبينهم من المسافة حين رأتهم خارج عن حدود البعد المعتاد في المسافات المعهودة.
فإن قلت (١): كيف تتصور الرؤية من النار، وهو قوله تعالى:{إِذَا رَأَتْهُمْ}؟
قلت: يجوز أن يخلق الله لها حياةً وعقلًا ورؤيةً ونطقًا فالبنية ليست شرطًا. قال بعضهم: وهذا هو الحق، كما يدل عليه، قوله تعالى:{وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ} فلا حاجة إلى تأويل أمثال هذا المقام.
{سَمِعُوا لَهَا}؛ أي: للنار {تَغَيُّظًا}؛ أي: غليانًا {وَزَفِيرًا}؛ أي: صوتًا كصوت الحمار. وقيل: تغيظًا؛ أي: صوت تغيظ وغضب على تشبيه صوت غليانها بصوت المغتاظ؛ أي: الغضبان إذا غلى صدره من الغيظ، فعند ذلك يهمهم. والهمهمة ترديد الصوت في الصدر.
فإن قلت: كيف يسمع التغيظ الذي هو بمعنى الغضب؟
قلت: في الكلام تقديم وتأخير وتقدير. والمعنى: إذا رأتهم سمعوا لها زفيرًا، وعلموا لها تغيظًا. نظير قول الشاعر:
أي: وحاملًا رمحًا. والمعنى: وإذا كانت منهم بمرأى الناظر .. سمعوا لها صوتًا يشبه صوت المتغيظ لشدة توقدها، وصوت الزفير الذي يخرج من فم الحزين المتهالك حسرة وألمًا.
أخرج ابن المنذر وابن جرير عن عبيد بن عمير أنه قال: إن جهنم لتزفر زفرةً، لا يبقى نبي مرسل ولا ملك مقرب إلا خرّ لوجهه ترتعد فرائصه، حتى إن إبراهيم عليه السلام، ليحثوا على ركبتيه. ويقول رب، لا أسألك اليوم إلا نفسي.
١٣ - {وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا}؛ أي: من السعير {مَكَانًا}؛ أي: في مكان. ومنها بيان