للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

كمثل أهل مكة فيما وقع لهم قريبًا يوم بدر من الهزيمة والأسر والقتل، وليس قوله ببعيد.

{ذَاقُوا}؛ أي: ذاق الذين من قبلهم، وهذا بيان لمثل الذين من قبلهم؛ أي: ذاقوا في الدنيا ببدر {وَبَالَ}؛ أي: عقوبة {أَمْرِهِمْ}؛ أي: كفرهم، وهو عذاب القتل والأسر ببدر. وكانت غزوة بدر في رمضان من السنة الثانية من الهجرة قبل غزوة بني النضير، وكانت غزوة بني النضير في ربيع الأول من السنة الرابعة، وكان ما بينهما نحو سنة ونصف. {وَلَهُمْ} في الآخرة؛ أي: للذين من قبلهم {عَذَابٌ أَلِيمٌ}؛ أي: مؤلم لا يقادر قدره حيث يكون ما في الدنيا بالنسبة إليه كالذوق بالنسبة إلى الأكل. وفي "الفتوحات": والمقصود تشبيه حال اليهود، وهي ما حصل لهم في الدنيا من الوبال، وما سيحصل لهم في الآخرة من العذاب بحال المشركين في هذين الأمرين.

والخلاصة: أن حال هؤلاء كحال أولئك في الدنيا والآخرة، ولكن لا على أن حال كلهم كحالهم، بل حال بعضهم الذين هم اليهود كذلك.

١٦ - وأما حال المنافقين: فهو ما تعلق به قوله تعالى: {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ} فإنه خبر ثان (١) للمبتدأ المقدر، مبين لحالهم، متضمن لحال أخرى لليهود. وهي اغترارهم بمقالة المنافقين أولًا، وخيبتهم آخرًا. وقد أجمل في النظم الكريم؛ حيث أسند كل من الخبرين إلى المقدر المضاف إلى ضمير الفريقين من غير تعيين ما أسند إليه بِخصوصه، ثقة بأن السامع يرد كلًّا من المثلين إلى ما يماثله، كأنه قيل: مثل اليهود في حلول العذاب بهم كمثل الذين من قبلهم، ومثل المنافقين في إغرائهم إياهم على القتال حسبما حكي عنهم {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ}، {إِذْ قَالَ}؛ أي: الشيطان {لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ}. وقول الشيطان مجاز عن الإغواء والإغراء؛ أي: إذ أغراه على الكفر إغراء الآمر المأمور على المأمور به. {فَلَمَّا كَفَرَ} الإنسان المذكور إطاعة لإغوائه وتبعًا لأهوائه {قَالَ} الشيطان: {إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ}؛ أي: بعيد عن عملك وأملك غير راض بكفرك وشركك.


(١) روح البيان.