وهم السعداءُ، وفي إيتاء الكتاب من جهة اليمين تشريف لصاحبه، {فَأُولئِكَ} الجمع باعتبار معنى {من} قيل: ووجه الجمع الإشارة إلى أنهم مجتمعون على شأن جليل، أو الإشعار بأن قراءتهم لكتبهم تكون على وجه الاجتماع، لا على وجه الإنفراد، {يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ} الذي أوتوه قراءة ظاهرةً مسرورين، فرحينَ بما فيه من الحسنات، ونحو الآية قوله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ (١٩)} {وَلا يُظْلَمُونَ}، أي: لا ينقصون من أجور أعمالهم المرتسمة في كتبهم، {فَتِيلًا}؛ أي: قدر فتيل بل يؤتونها مضاعفة، والفتيل هو ما يفتل بين أصبعين من الوسخ، أو القشرة التي في شقّ النواة، أو أدنى شيء، فإنّ الفتيل مثل في القلة والحقارة، وقد ثبت في علم الكيمياء أنّ وزن الذّرّات التي تدخل في كل جسم بنسب معيّنة، فلو أنّ ذرة واحدة في عنصر من العناصر الداخلة في تركيب؛ أي: جسم من النبات، أو الحيوان أو الجماد نقصت عن النسبة المقدّرة لتكوينه لم يتكون ذلك المخلوق، وخالق الدنيا هو خالق الآخرة، فالظّلم مستحيل هناك، كما استحال هنا في نظم الطّبيعة، فما أجلّ قدرة الله سبحانه، وما أعظم حكمته في خلقه.
٧٢ - ولم يذكر الأشقياء، وإن كانوا يقرؤون كتبهم أيضًا، لأنهم إذا قرؤوا ما فيها لم يفصحوا به خوفا وحياء، وليس لهم شيء من الحسنات ينتفعون به، ولكنه سبحانه ذكر ما يدل على حالهم القبيح فقال:{وَمَنْ كانَ} من المدعوين المذكورين {فِي هذِهِ} الدنيا {أَعْمى}؛ أي: أعمى القلب لا يهتدي إلى رشده، {فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى} لا يرى طريق النّجاة، ويستولي الخوف والدهشة على قلبه، فيثقل لسانه عن قراءة كتابه {وَأَضَلُّ سَبِيلًا}؛ أي: بل هو أخطأ عن سبيل النجاة في الآخرة من الأعمى في الدنيا، لزوال الاستعداد، وتعطل الأسباب والآلات، وفقدان المهلة.
قال النّيسابوري (١): لا خلاف أن المراد بعمى الدنيا عمى القلب، وأما