للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قوله: {فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى} فيحتمل أن يراد به عمى البصر كقوله: {وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى (١٢٤) قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (١٢٥)}، وفي هذا زيادة العقوبة، ويحتمل أن يراد عمى القلب، وقيل: المراد بالآخرة عمل الآخرة؛ أي: فهو في عمل، أو في أمر الآخرة أعمى، وقيل: المراد من عمي عن النعم التي أنعم الله بها عليه في الدنيا، فهو عن نعم الآخرة أعمى، وقيل: من كان في الدنيا التي تقبل فيها التوبة أعمى فهو في الآخرة التي لا توبة فيها أعمى، وقيل: من كان في الدنيا أعمى عن حجج الله، فهو في الآخرة أعمى، وقد قيل: إنّ قوله: {فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى} أفعل تفضيل، أي: أشد عمى، وهذا مبنيٌّ على أنه من عمى القلب إذ لا يقال ذلك في عمى العين.

والمعنى: أي (١) ومن كان في دار الدنيا أعمى القلب لا يبصر سبل الرشد، ولا يتأمّل حجج الله وبيناته التي وضعها في صحيفة الكون، وأمر بالتأمل فيها فهو في الآخرة أعمى لا يرى طريق النجاة، وأضلُّ سبيلا منه في الدنيا؛ لأنّ الرّوح الباقي بعد الموت، هو الروح الذي كان في هذه الحياة الدنيا، وقد خرج من الجسم، وكأنه ولد منه كما تلد المرأة الصبيّ، وكما يثمر النّخل الثمر، والأشجار الفواكه، وما الثمر والفواكه إلا ما كان من طباع الشجرة فهكذا الروح الباقي هو هذا الروح نفسه، قد خرج بجميع صفاته، وأخلاقه، وأعماله، فهو ينظر إلى نفسه، وينفر أو ينشرح بحسب ما يرى، وما الثمر إلا بحسب الشجر، فإذا كان هنا ساهيًا لاهيًا، فهناك يكون أكثر سهوًا ولهوًا، وأبعد مدى في الضلال لأنّ آلات العلم والعمل قد عطّلت، وبقي فيه مناقبه ومثالبه، ولا قدرة على الزيادة في الأولى ولا النّقص في الثانية. وقرأ (٢) حمزة، والكسائي وخلف وأبو بكر عن عاصم {أعمى} في الموضعين بالإمالة؛ أي: بكسر الميم، وقرأ يعقوب، وابن كثير، ونافع، وابن عامر {أعمى} في الموضعين بفتح الميم؛ أي: بغير إمالة، وقرأ أبو عمرو {في هذه أعمى} بكسر الميم؛ أي: بالإمالة {فَهُوَ فِي


(١) المراغي.
(٢) زاد المسير.