ولقد أحسن يحيى بن معاذ رضي الله عنه في هذا المعنى، حيث قال: الوعد والوعيد حقّ، فالوعد حقّ العباد على الله سبحانه، ضمن لهم إذا فعلوا ذلك أن يعطيهم كذا ومن أولى بالوفاء من الله، والوعيد حقّه على العباد، قال لا تفعلوا كذا فأعذّبكم ففعلوا، فإن شاء .. عفا، وإن شاء .. أخذ؛ لأنّه حقه، وأولاهما العفو والكرم؛ لأنه غفور رحيم، فالله تعالى لا يغفر أن يشرك به، فينجز وعيده في حق المشركين، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء، فيجوز أن يخلف وعيده في حق المؤمنين.
{وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ}؛ أي: وما أنا بمعذب للعبيد ظلمًا بغير جرم اجترموه، ولا ذنب أذنبوه، والتعبير عنه بالظلم، مع أنّ تعذيبهم بغير ذنب ليس بظلم، على ما تقرّر من قاعدة أهل السنة، فضلًا عن كونه ظلمًا مفرطًا لبيان كمال نزاهته تعالى عن ذلك، بتصويره بصورة ما يستحيل صدوره عنه من الظلم، وصيغة المبالغة؛ لتأكيد هذا المعنى بإبراز ما ذكر من التعذيب بغير ذنب في معرض المبالغة في الظلم، وقيل: هي لرعاية جمعيّة العبيد من قولهم: فلان ظالم لعبده، وظلّام لعبيده على أنها مبالغة كمًّا لا كيفًا، وقيل: إنّ الظلاّم هنا بمعنى الظالم، كالتمّار بمعنى التامر.
٣٠ - والظرف في قوله:{يَوْمَ نَقُولُ}: متعلق بمحذوف، تقديره: واذكر يا محمد لقومك، ويشمل كل من شأنه الذكر يوم نقول بما لنا من العظمة {لِجَهَنَّمَ} دار العذاب، وسجن الله للعصاة {هَلِ امْتَلَأْتِ} يا جهنم بمن ألقي فيك؟ وهل أوفيتك ما وعدتك؟. وهو قوله:{لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ} وقوله: لكل واحدة منكما ملؤها. فهذا السؤال من الله لتصديق خبره، وتحقيق وعده، والتقريع لأهل عذابه، والتنبيه لجميع عباده. {وَتَقُولُ} جهنم مجيبة بالاستفهام تأدبًا، وليكون الجواب وفق السؤال {هَلْ مِنْ مَزِيدٍ}؛ أي: هل من زيادة من الجن والإنس موجودة، فيكون مصدرًا كالمحيد، أو من يزاد فيكون مفعولًا كالمبيع، ويجوز أن يكون {يَوْمَ}: ظرفًا لمقدر مؤخر؛ أي: يوم نقول لجهنم: هل امتلأت إلخ، يكون من الأحوال والأهوال ما يقصر عنه المقال، وقيل: العامل فيه {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ}. وقيل: