وقرأ الجمهور (١): {نُصْلِيهِ} بضم النون، وقرأ النخعي والأعمش بفتحها من صلاه الثلاثية، ومنه شاة مصلية، وقرىء أيضًا {نصلّيه} مشددًا، وقرىء {يصليه}، والظاهر أن الفاعل ضمير يعود على الله؛ أي: فسوف يصليه هو؛ أي: الله تعالى، وأجاز الزمخشري: أن يعود الضمير على ذلك، قال: لكونه سببًا للمصلي، وفيه بعد.
{وَكَانَ ذَلِكَ} الإصلاء والإدخال في النار {عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا}؛ أي: يسيرًا سهلًا هينًا على الله سبحانه وتعالى لا يمنعه منه مانع، ولا يدفعه عنه دافع، ولا يشفع فيه إلا بإذنه شافع، فلا يغترَّن الظالمون المعتدون بحلمه تعالى عليهم في الدنيا، وعدم معاجلتهم بالعقوبة، فيظنوا أنهم بمنجاة من عقابه في الآخرة، ولا يكونن كأولئك المشركين الذين قالوا:{نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ}.
٣١ - {إِنْ تَجْتَنِبُوا} وتتركوا {كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ}؛ أي: عظائم ما نهاكم الله عنه من الذنوب، كالشرك والزنا وقتل النفس المحرمة مثلًا، وتفعلوا عزائم ما أمركم الله به، كالصلوات الخمس وصيام رمضان والزكاة والحج، {نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ}؛ أي: نمحُ عنكم صغائر الذنوب، ونغفرها لكم فلا نؤاخذكم بها، فتصير بمنزلة ما لم يعمل؛ لأن الصغائر تكفر باجتناب الكبائر وفعل المأمورات، ولا تكفر كبارها إلا بالتوبة والإقلاع عنها، فمعنى تكفير السيئات: إزالة ما يستحق عليها من العقوبات، وجعلها كأن لم تكن، فالمراد بالسيئات هنا الصغائر؛ لأنهم قسموا الذنوب إلى قسمين: صغائر كالنظرة واللمسة والقبلة مثلًا، وكبائر كالزنا والسرقة، وقالوا: أكبر الكبائر الشرك بالله، وأصغر الصغائر حديث النفس. وإنما زدنا في تفسير الآية قيد وتفعلوا عزائم المأمورات؛ لأنه لا بد من تقييد ما في هذه الآية من تكفير السيئات بمجرد اجتناب الكبائر، بما أخرجه النسائي وابن ماجه وابن جرير وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وصححه، والبيهقي في "سننه"، عن أبي هريرة وأبي سعيد: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جلس على المنبر ثم قال: "والذي نفسي بيده، ما من عبد يصلي الصلوات الخمس،