مع إساءتنا {لَغَفُورٌ} للمذنبين، فيبالغ في ستر ذنوبهم الخارج عن الحصر {شَكُورٌ} للمطيعين، فيبالغ في إثابتهم، فإن الشكر من الله: الإثابة والجزاء الوفاق. وفي "التأويلات النجمية": غفور للظالم لنفسه، شكور للمقتصد والسابق، وإنما قدم ما للظالم رفقًا بهم لضعف أحوالهم. انتهى.
٣٥ - ثمّ وصفوا الله بوصف آخر هو شكر له فقالوا:{الَّذِي أَحَلَّنَا} وأنزلنا {دَارَ الْمُقَامَةِ} مفعول ثان لـ {أحلّ}، وليست بظرف؛ لأنها محدودة مختصة، والمقامة مصدر ميمي بمعنى الإقامة؛ أي: دار الإقامة التي لا انتقال عنها أبدًا، فلا يريد النازل بها ارتحالًا منها, ولا يراد به ذلك {مِنْ فَضْلِهِ}؛ أي: من إنعامه وتفضله من غير أن يوجبه شيء من قبلنا من الأعمال، فإن الحسنات فضل منه أيضًا، فلا واجب عليه.
وذلك أن دخول الجنة بالفضل والرحمة، واقتسام الدرجات بالأعمال والحسنات هذا مخلوق تحت رق مخلوق مثله لا يستحق على سيده عوضًا لخدمته، فكيف الظن بمن له الملك على الإطلاق، أيستحق من يعبده عوضًا على عبادته تعالى الله سبحانه عما تقول المعتزلة من الإيجاب. {لَا يَمَسُّنَا}؛ أي: حالة كوننا لا يصيبنا {فِيهَا}؛ أي: في دار الإقامة في وقت من الأوقات {نَصَبٌ}؛ أي: تعب بدن ولا وجع، كما في الدنيا. {وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ}؛ أي: قال وفتور وضعف ناشىءٍ من تعب؛ إذ لا تكليف فيها ولا كد، وإذا أرادوا أن يروه سبحانه لا يحتاجون إلى قطع مسافة وانتظار وقت، بل هم في غرفهم يلقون فيها تحية وسلامًا، وإذا رأوه لا يحتاجون إلى تحديق مقلة في جهة يرونه، كما هم بلا كيفية.
والتصريح بنفي الثاني مع استلزام نفي الأول له، وتكرير الفعل للمبالغة في بيان انتفاء كل منهما.
وقرأ الجمهور (١): {لُغُوبٌ} بضم اللام، وعلي بن أبي طالب وأبو عبد الرحمن السلمي: بفتحها.
والمعنى: أي إنَّ ربنا لغفور شكور؛ لأنه أنزلنا الجنة التي لا تحول عنها ولا